عندما ينتهى عمر الانسان ويتوفاه الله يدخل القبر ويعيش فى القبر حياه اخرى تسمى حياة البرزخ وهناك فى هذه الحياه أحوال كثيره ومن أحوال أهل القبور أن أماكنهم في الدار الآخرة تعرض عليهم وهم في قبورهم؛ ليزداد المنعمون فرحًا إلى فرحهم، ويزداد المعذبون حسرة على حسرتهم، قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالعَشِيِّ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ الله يَوْمَ القِيَامَةِ»متفق عليه. ونعيم القبر وعذابه، وجميع ما ورد من أحوال أهله، يقع على الروح والجسد على كيفية لا يعلمها إلا الله تعالى. وهو نعيم أو عذاب يصيب الميت ولو لم يدفن، أو وضع في ثلاجة أبد الدهر، أو أحرق حتى صار رمادًا وذرته الرياح، أو أكله سبع، أو ابتلعه حوت، أو دفن في قاع البحر، كل أولئك تجري عليهم فتنة القبر، وتصيبهم أهوله، وينعم المنعم منهم، ويعذب المعذب منهم. ولو قطع إنسان وفرقت أوصاله في البر والبحر، والسهل والوعر؛ فإن نصيب كل جزء منه من النعيم والعذاب يصله، ولو أكل إنسان إنسانًا لنعم المأكول أو عذب وهو في جوف آكله، ولا يحس آكله بنعيمه أو بعذابه. وكم من مقبور في مروج وأزهار وأشجار تسر الناظرين وقبورهم بالنار مشتعلة، وأهلها يعذبون بأنواع العذاب، ولا يدرك من حولهم ذلك ولا يحسونه؟ وكم من قبور في خربات ومستنقعات القذر والأذى، وهي من رياض الجنة، وريحها من ريح الجنة، وأهلها منعمون.. وكم من قبور يكسوها الجليد، ويحيط بها الصقيع، وهي نار تلظى على أهلها.. وكم من قبور في رمضاء حامية، أو تحت تنور يشعل كل يوم نارا، وأهلها منعمون لا يحسون بشيء منها، وتلك قدرة العليم القدير، الذي قلب حرارة النار بردا وسلاما على إبراهيم. إن تذكر القبر وأحواله، وزيارة القبور بين حين وآخر؛ حتم لازم لمن أراد حياة قلبه، وخشوعه في عبادته، وبناء آخرته، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«زُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ بِالْمَوْتِ»رواه أبو داود. وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقعد إلى القبور فقيل له في ذلك فقال:«أجلس إلى قوم يذكرونني معادي، وإن قمت عنهم لم يغتابوني». وقيل لبَعض الزهاد:«مَا أبلغ العظات؟ فَقَالَ: النّظر إِلَى محلّة الْأَمْوَات». وذلك أن زائر القبور يرى أهل القبور قد تركوا جميع ما يملكون وراءهم، إلا أكفانهم وأعمالهم فيعتبر بذلك. وَقد مرَّ رجل مُسَافر بِغُلَام فِي صحراء فَقَالَ لَهُ: «يَا غُلَام، أَيْن الْعمرَان؟ فَقَالَ لَهُ: اصْعَدْ الرابية تشرف على الْعمرَان، فَصَعدَ فَأَشْرَف على قُبُور، فَرجع إِلَيْهِ فَقَالَ: سَأَلتك عَن الْعمرَان فدللتني على الْقُبُور، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْت أهل هَذِه الدُّنْيَا يُنقلون إِلَى تِلْكَ، وَلم أر أحدًا من تِلْكَ ينْقل إِلَى هَذِه، وَإِنَّمَا يُنْتَقل من الخراب إِلَى الْعمرَان، وَلَو سَأَلتنِي عَمَّا يواريك ويواري دابتك لدللتك عَلَيْهِ». وزائر القبور يرى أهلها لا يستطيعون العمل، ولا اكتساب حسنة واحدة؛ فيسعى للعمل والاكتساب مادام قادرا عليه، قَالَ أَبُو ذر رضي الله عنه:«أَلا أخْبركُم بِيَوْم فقري! يَوْم أنزل قَبْرِي». ونظر الحسن رحمه الله تعالى إلى ميت يدفن فقال:« إن شيئاً أوله هذا لحقيق أن يخاف آخره، وإن شيئاً هذا آخره لحقيقٌ أن يزهد في أوله». وقد رأيتم وسمعتم عن أثرياء يملكون ميزانيات دول، صاروا إلى القبور بلا شيء من دنياهم، كان الناس في حياتهم يغبطونهم، ثم بعد وفاتهم يدعون لهم بالعون على حسابهم! ألا فلنتعظ عباد الله بمن مضوا إلى قبورهم قبلنا، فعن قريب سنكون عظة لغيرنا، والسعيد من قدم على الله تعالى بخير ما عمل، والشقي من تمادى به التسويف حتى مات بلا عمل، ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾