هو الاحسان الذى عرفنا به النبى الكريم صلى الله عليه وسلم وهو كما اجب عن الاحسان لأمين الوحى جبريل عليه السلام عندما سأل النبى صلى الله عليه وسلم وما الاحسان فقد أمر الله عزَّ وجلَّ في هذه الآيات التى يشير الينا فيها بالاحسان بالتقوى والمراقبة التي هي أعلى مراتب الدين ومنازله، وهي الإحسان الذي سأل عنه جبريلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن سأله عن الإيمان والإسلام، فقال: أخبرني عن الإحسان؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) فهذه حقيقة الإحسان مأخوذة من مشكاة النبوة. والإحسان مراتب ودرجات. أولها: مرتبة المراقبة والمشاهدة والخوف من الله عزَّ وجلَّ وخشيته. وثانيها: مرتبة الحياء من الله سبحانه وتعالى. وثالثها: مرتبة الأنس برب العالمين. فأما مرتبة الخوف والمراقبة فهي أن يعبد الإنسان ربه على وجه الحضور وكأنه يرى الله عزَّ وجلَّ بقلبه، وينظر إليه في حال عبادته، والجزاء من جنس العمل، فمن عَبَدَ الله على هذه الكيفية في الدنيا، كان جزاؤه أن ينظر إلى وجه الله الكريم عيانًا في الآخرة، كما قال تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ وكما أخبر عن المحسنين فقال: ﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾ وعن صهيب عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال الله تبارك وتعالى: تريدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيِّض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجِّنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عزَّ وجلَّ )) ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية: ﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾. أما المعرضون عن الله عزَّ وجلَّ أما أهل الكفر والنفاق، فإنهم محجوبون عن رؤية الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة؛ لأنهم كانوا لا يراقبون الله عزَّ وجلَّ في الدنيا، فكان جزاؤهم على ذلك أن حُجبوا عن رؤيته في الآخرة، فلا بد للعبد أن يستحضر قرب الرب جلَّ وعلا منه وإطلاعه عليه، لأن ذلك يوجب الخشية والخوف والهيبة والتعظيم، ويوجب أيضًا النصح في العبادة وبذل الجهد في تحسينها وإتمامها وإكمالها. وأما المرتبة الثانية وهي مرتبة الحياء من الله عزَّ وجلَّ فهي ناتجة عن معرفة العبد بأن الله عزَّ وجلَّ يراه على أي حال، ويطلع عليه في كل أمر من أمره، فيستحيي العبد من خالقه أن يجده حيث نهاه أو يفقده حيث أمره، فيكون بذلك قد جعل الله عزَّ وجلَّ أهون الناظرين إليه. كما قال تعالى: ﴿ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ﴾ وقال بعض الصالحين: خفِ الله على قدر قدرته عليك، واستحيي من الله على قدر قربه منك وقد دلّ القرآن على قرب الرب تبارك وتعالى من عباده واطلاعه عليهم في كثير من آياته، ومنها قوله تعالى ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ وقال تعالى: ﴿ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ﴾ وقال عزَّ وجلَّ: ﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾ وقد وردت الأحاديث الصحيحة بالندب إلى استحضار هذا القرب في حال العبادات كقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن أحدكم إذا قام يصلي فإنما يناجي ربه أو ربه بينه وبين القبلة)فاللهم اجعلنا من المحسنين المخلصين يا رب العالمين ....