إن المعافى في بدنه أو ماله أو أهله، ينبغي عليه أن ينظر إلى من ابتلي بشيء منها ليعرف قدر نعمة الله عليه، وإذا كان هو مبتلى بشيء من ذلك، فلينظر إلى من هو أعظم ابتلاء منه، فإنه ما من مصيبة تصيب العبد إلا وفي الوجود ما هو أعظم منها فإذا كان غنيا، فلينظر إلى الفقير، وإذا كان فقيرا، فلينظر إلى من هو أفقر منه مما لا يملك الفتيل، ولا القطمير، ومهما أصيب المؤمن في شيء من دنياه، فإن ذلك ليس بشيء عند سلامة دينه الذي هو عصمة أمره في دنياه وأخراه، فدين الإسلام، ولله الحمد، هو الكسب الذي نعتز به، ونفاخر، وهو الذخر الذي نعده لليوم الآخر، الدين هو التجارة التي تنجي من العذاب الأليم، وتقرب العبد إلى المولى الرحيم، فيا أيها المبتلى اصبر على البلوى، واذكر من هو أعظم منك وأكثر، ضررا.
ثم انظر إلى ما أنعم الله به عليك من الإيمان، واستعن به على مقاومة المصائب بالصبر، ومقابلة النعم بالشكران، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق، فقال والله لأنحن هذا عن المسلمين لا يؤذيهم فأدخل الجنه" رواه مسلم، وعن أبي برزة قال قلت يا نبي الله، علمني شيئا أنتفع به؟ فقال صلى الله عليه وسلم " اعزل الأذى عن طريق المسلمين" رواه مسلم، وإماطة الأذى عن الطريق من الإيمان، فعن أبي هريرة رضى الله عنه قال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبه، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان" رواه مسلم.
ومن كف الأذى عدم قضاء الحاجة في طريق الناس، أو ظلهم، وعدم إيذاء الناس في أبدانهم أو أعراضهم، فعن أبي هريرة رضى الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "اتقوا اللعنين" قالوا وما اللاعنان يا رسول الله؟ قال " الذى يتخلى فى طريق الناس أو ظلهم" رواه أبي داود، وفى قوله صلى الله عليه وسلم " اتقوا اللاعنين" قال الخطابي يريد الأمرين الجالبين للعن الحاملين للناس عليه والداعيين إليه، وذلك أن من فعلهما لعن وشتم، يعني عادة الناس لعنه فلما صارا سببا لذلك أضيف إليهما الفعل فكانا كأنهما اللاعنان، يعني أسند اللعن إليهما على طريق المجاز العقلي، وقد يكون اللاعن أيضا بمعنى الملعون، فاعل بمعنى مفعول كما قالوا سر كاتم أي مكتوم، فعلى هذا يكون التقدير اتقوا الأمرين الملعون فاعلهما.
وفى قوله صلى الله عليه وسلم "الذى يتخلى فى طريق الناس" أي يتغوط أو يبول في موضع يمر به الناس، والمراد بالتخلي التفرد لقضاء الحاجة غائطا أو بولا، فإن التنجس والاستقذار موجود فيهما، والمراد بالطريق الطريق المسلوك لا المهجور الذي لا يسلك إلا نادرا، وفى قوله صلى الله عليه وسلم " أو ظلهم" أي مستظل الناس الذي اتخذوه مقيلا ومنزلا ينزلونه ويقعدون فيه، وليس كل ظل يحرم القعود للحاجة تحته، فقد قعد النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته تحت حائش من النخل وللحائش لا محالة ظل، والحديث يدل على تحريم التخلي في طرق الناس أو ظلهم لما فيه من إيذاء المسلمين بتنجيس من يمر به واستقذاره، ومن ترك الأذى عدم السير في المخالف إن كان طريقا أو مكان المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة، وترك الحركات المرعبة كفرك الكاوتش أو لعبة الحصان أو السرعة الزائدة أو استخدام صافرات الإنذار الغير المأذون فيها.