إن باب التوبة مفتوح لكل من عصى الله إذا توفرت شروطها، وإن شروط التوبة كما ذكرها العلماء هو أن يقلع عن الذنب، وأن يندم على ما قد مضى، وأن يعزم في على ألا يعود إليه في المستقبل، وإذا كان الأمر يتعلق بحقوقِ الناسِ، سواء بأموالهم، أو أعراضهم، أو أبدانهم، فعليه أن يطلب المسامحة ممن له عليه حق، أو يؤدي الحقوق إلى أهلها، وهذا أمير المؤمنين والخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه "يشرب لبنا فيعجب به فيسأل عنه فيخبره الذي سقاه أنه مرّ بإبل الصدقة، وهم على ماء فحلبها وجاء به إليه فأدخل عمر يده واستقاء لأنه شرب من إبل الصدقة المعدة للصدقة من قبل أهل الزكاة" وتقول زوجة صالحة توصي زوجها "يا هذا اتقي الله في رزقنا فإننا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار" أولئك هم الصالحون يخرجون الحرام، والمشتبه من أجوافهم.
وقد دخل عليهم من غير علمهم، وخلفت من بعدهم خلوف يعمدون إلى الحرام ليملئوا به بطونهم وبطون أهليهم، فيا أيها المسلمون أرأيتم الرجل الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم "يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب له؟" رواه مسلم، وهذا الرجل استجمع من صفات الذل والمسكنة والحاجة والفاقة ما يدعو إلى رثاء حاله، ويؤكد شدة افتقاره تقطعت به السبل، وطال عليه السير، وتغربت به الديار، وتربت يداه، أشعث رأسه، واغبرت قدماه، وكان قاب قوسين أو أدنى لاستجابة دعواه، ولكنه قطع صلته بربه، وحرم نفسه من مدد مولاه، فحيل بين دعائه والقبول، أكل الحرام، واكتسى من حرام، ونبت لحمه في حرام، فردت يداه خائبتين، ولكن ماذا يبقى للعبد إذا انقطعت صلته بربه.
وحجب دعاؤه، وحيل بينه وبين الرحمة؟ لمثل هذا قال بعض السلف "لو قمت في العبادة قيام السارية ما نفعك حتى تنظر ما يدخل بطنك" وإن العجب كل العجب ممن يحتمي من الحلال مخافة المرض، ولا يحتمي من الحرام مخافة النار، فإن أكل الحرام يعمي البصيرة، ويوهن الدين ويضعفهن ويقسي القلب، ويظلم الفكر، ويقعد الجوارح عن الطاعات، ويوقع في حبائل الدنيا وغوائلها، ويحجب الدعاء، ولا يتقبل الله إلا من المتقين، وما أسهل أن يبيع المفسد دينه ويخون أمته، فقال الله تعالى مبينا لونا من ألوان الغش الذي يتميز به المفسدون وهو الغش الاقتصادي كما جاء فى سورة الشعراء" أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين، وزنوا بالقسطاط المستقيم، ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا فى الأرض مفسدين " وقال الله عز وجل فى سورة هود.
" ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا فى الأرض مفسدين " وإن سياسة الكيل بمكيالين وبخس الناس أشياءهم، هى سياسة متجذرة في أخلاق المفسدين، وأما الصفة الخامسة، فهى إشاعة الفاحشة، فإن من مخازي المفسدين أنهم يسعون لإشاعة الفاحشة في المجتمع، ويؤسسون مراكز ونواد لنشر المنكر، وإفساد الأخلاق والقيم الاجتماعية بلا حياء ولا خجل، وتأمل حال كثير من القنوات الفضائية لترى كيف يلهث أولئك المفسدون لإشاعة الفواحش وتحطيم القيم ومحاربة الفضيلة، وقد قال الله عز وجل فى سورة العنكبوت " ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين، أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون فى ناديكم المنكر" فقال تعالى "فما جواب قومه إلا أن قالوا أئتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين، قال رب انصرنى على القوم المفسدين "