كان يجوز للمسلم في بداية الإسلام أن يلقي السلام على المصلي فيرد عليه المصلي وهو في صلاته بلفظه، فبقي ذلك زمنا ثم نسخ، فعن عن عبدالله بن مسعود قال كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا فقلنا يا رسول الله، كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا؟ فقال " إن في الصلاة شغلا " وهذا الجواز كان عندما كان الكلام جائزا في الصلاة، كما جاء في الصحيحين عن زيد بن أرقم قال " كنا نتكلم في الصلاة يكلم أحدنا أخاه في حاجته حتى نزلت هذه الآية من سورة البقرة " حافظوا علي الصلوات والصلاة الوسطي وقوموا لله قانتين " فأمرنا بالسكوت، ولكن بعد هذا بقي أنه يجوز إلقاء السلام على المصلي.
لكن يرد المصلي بيده إشارةً لا بلفظه، كما في حديث بلال أن رسول الله صلي الله عليه وسلم فعل ذلك عندما سلم عليه بلال، وهذا يدل على أهمية السلام والحرص عليه، وقيل كان أحد الصالحين جارا لأحد الفسقة الذين أدمنوا الخمر والمعاصى، فلمّا مات هذا العاصي وطلب الناس من هذا الصالح أن يصلى عليه، تأفف الصالح، وقال هذا رجل فاسِق، كيف أصلي عليه؟ وفي تلك الليلة نام هذا الرجل الصالح، وفي المنام رأى مفاجأة وهي أن هذا الفاسق كان يصلي في الجنة، جن جنون هذا الرجل الصالح، فذهب إلى امرأة الفاسق، وسألها ماذا كان يفعل زوجك؟ قالت ما كان يفعل إلا ما رأيتم، إلا أنه كان كل أسبوع يجمع أطفال الحي اليتامى ويقول لهم ادعوا لعمكم عسى أن يغفر الله له" ويقول الله تعالى مخبرا عن قلة إيمان أهل القرى الذين أرسل فيهم الرسل.
كقوله تعالى فى سورة يونس " فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزى فى الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين" أى ما آمنت قرية بتمامها إلا قوم يونس، فإنهم آمنوا، وذلك بعد ما عاينوا العذاب، كما قال تعالى فى سورة الصافات "وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلى حين" وقال تعالى كما جاء فى سورة سبأ " وما أرسلنا فى قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون" وقوله تعالى " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا" أى آمنت قلوبهم بما جاءتهم به الرسل، وصدقت به واتبعته، واتقوا بفعل الطاعات وترك المحرمات " لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض" أى قطر السماء ونبات الأرض، فقال تعالى " ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون" أى ولكن كذبوا رسلهم، فعاقبناهم بالهلاك على ما كسبوا من المآثم والمحارم.
وقيل فى تفسير " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض" يعنى المطر من السماء والنبات من الأرض، وأصل البركة هو المواظبة على الشىء، أى تابعنا عليهم المطر والنبات ورفعنا عنهم القحط والجدب، " ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون" من الأعمال الخبيثة، وقوله تعالى "ولو أن أهل القرى" يقال للمدينة قرية لاجتماع الناس فيها، من قريت الماء إذا جمعته، ومعنى آمنوا أى صدقوا واتقوا أى الشرك لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض يعنى المطر والنبات، وهذا فى أقوام على الخصوص جرى ذكرهم، إذ قد يمتحن المؤمنون بضيق العيش ويكون تكفيرا لذنوبهم، ألا ترى أنه أخبر عن نوح إذ قال لقومه استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا وعن هود ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا فوعدهم المطر والخصب على التخصيص، ويدل عليه ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون أى كذبوا الرسل.