أيام معدودة وتستقبِل الأمة الشهر الكريم ، شهر رمضان ، ومن المسلمين لا يعرِف فضل هذا الشهرِ وقدره، فهو سيد الشهور وخيرها، هو شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن ، ومن صامه وقامه غفر له ما تقدم من ذنبه، وفيه ليلة هي خير من ألف شهر .
وقد قال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قال: " من صام رمَضان إيمانا واحتسابا غفِر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفِر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلةَ القدر إيمانا واحتسابا غفِر له ما تقدم من ذنبه " البخارى ومسلم .
وهذا هو شهر رمضان الكريم شهر تزكية النفوس وتربيتِها ، وأعظم القربات فيه هو الصوم الذي افترضه الله تعالى تحقيقًا للتقوى ، فاحرصوا على النية الصالحة والعزم الجاد على الاجتهاد في طاعة الله في شهر رمضان ، وحري بأفراد الأسرة والقرابة والجيران وزملاء المهنة ، أن يتواصوا بالحق ويتعاونوا على أعمال البر والتقوى في هذا الموسم المبارك .
فسيشرق علينا بعد قليل من الأيام شهر من أعظم الشهور، وهذا الشهر الذي أجله، وعظمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنه شهر رمضان، الذي اختصه الله دون سائر الشهور بخصال الخير والبركة ، فهو شهر التربية الروحية ، فالصوم عبادة للروح بها تتزكى النفوس، ويتجنب بها الفواحش ما ظهر منها وما بطن .
فعلى كل مؤمن أن يستقبل هذا الشهر الكريم بتوبة صادقة نصوح من كل سيئة وغفولة ومعصية وكيف لا نتوب وحبيبنا المصطفى عليه الصلاة والسلام يقول وهو النبي المعصوم: "يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة" رواه مسلم .
ولهذا أرشد الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الشباب فقال: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أحصن للفرج وأغض للبصر" فهو حفظ ووقاية، فأرشدهم بالتحصن بالصوم خوفا من الوقوع في المنكرات، كيف لا وبه يستجيرون من الشهوات ، وكلنا أصحاب ذنوب وكلنا نحمل على أكتافنا أوزارها .
فلا بد لنا مع إقبال الشهر الكريم من اسقاطها، فهي قد أتعبت كاهلنا، ولا يكون هذا إلا بالتوبة والرجوع إلى الله تعالى، فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون والمستغفرون ، ولنعلم جميعا أن الغاية الكبرى من الصيام هي تحصيل التقوى، والتقوى تكون بفعل الأوامر واجتناب النواهي .
وأعظم ما يتحقق هذا بالصيام، فمن لم يحقق بصيامه حصول التقوى فقد خسر الثمرة من هذا الصيام، فالله لم يرد هذا الصيام منا ليعذبنا أو يتعبنا وإنما لتحقيق ثمرته وهو حصول التقوى، قال عليه الصلاة والسلام: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".
ولنعلم جميعا إن بلوغ شهر رمضان الكريم نعمة عظيمة ، وفضل كبير من الله تعالى ، حتى إن العبد ببلوغ رمضان وصيامه وقيامه يسبق الشهداء في سبيل الله الذين لم يدركوا رمضان ، فعن طلحة بن عبيدالله أن رجلين من بلى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إسلامهما جميعا فكان أحدهما أشدَ اجتهادا من الآخر .
فغزا المجتهد منهما فاستشهد ، ثم مكث الآخر بعده سنة ، ثم توفي ، قال طلحة: فرأيت في المنام بينا أنا عند باب الجنة ، إذا أنا بهما فخرج خارج من الجنة فأذن للذي توفي الآخر منهما ، ثم خرج فأذن للذي استشهد ، ثم رجع إلي فقال: ارجع فإنك لم يأن لك بعد.
فأصبح طلحة يحدث به الناس ، فعجبوا لذلك ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحدثوه الحديث ، فقال: من أي ذلك تعجبون؟ فقالوا: يا رسول الله ، هذا كان أشد الرجلين اجتهادا ثم استشهد ، ودخل هذا الآخر الجنة قبله .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس قد مكث هذا بعده سنة؟ قالوا: بلى . قال: وأدرك رمضان ، فصام وصلى كذا وكذا من سجدة في السنة ، قالوا: بلى . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما بينهما أبعدُ مما بين السماء والأرض . رواه ابن ماجه .
ولنعلم جميعا أن هذا الشهر أيضا شهر يتزود فيه ليوم القيامة، فإن لله مواسم يتقرب بها إليه وله في مواسمه سبحانه نفحات يصيب بها الله عز وجل من يشاء من عباده بفضله ورحمته، فتكفر السيئات وترفع الدرجات .
وإنها فرصة لاغتنام موسم من مواسم الخير ومدارج الطاعة، يرتقي فيه العبد إلى منازل الصديقين والشهداء والصالحين، ليلقى ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
فقال الله في الحديث القدسي (قال الله تعالى: كل حسنة يعملها ابن آدم تضاعف من عشرة إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع شهوته وطعامه وشرابه من أجلي ، والصوم جنة وللصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه يوم القيامة).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال " قال الله عزّ وجل: كلُّ عمَلِ ابنِ آدم له إلاَّ الصّوم، فإنه لي وأنا أجزِي به، والصيام جنة، فإذا كان يوم صومِ أحدكم فلا يرفث ولا يسخَب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرُؤ صائم.
والذي نفس محمّد بيده، لخلوفُ فمِ الصائم أطيبُ عند الله يومَ القيامة من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرِح بفطره، وإذا لقيَ ربَّه فرح بصومه " رواه البخاري ومسلم
وكذلك من فضائل هذا الشهر الكريم أنه شهر إكرام الصائمين، فالصائمون يوم القيامة يدخلون الجنة يوم القيامة من باب لا يدخل منه أحد سواهم، عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن في الجنة باباً يقال: له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد " .