إن من من أسباب الثبات على الايمان وعلى الحق تعظيم النصوص الشرعية، والوقوف عند حدودها، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبايع أصحابه على الالتزام بأحكام الإسلام في المنشط والمكره، والعسر واليسر، فالنفس إذا كان سائقُها ابتغاءَ مرضاة الله، ثبتتْ على الأمر، وسلَّمت زمامها للأمر والنهي {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} فلا تُقابَل النصوصُ الشرعية برأي البشر، أو تُترك بزعم المصلحة، أو تلوى أعناق النصوص لتوافق هوى النفس، وقد كان أصحاب النبي يتغيظون ويشتد نكيرُهم على مَن يعارض النصَّ الشرعي برأي الرجال، فحينما حدَّث عمران بن حصين بحديثِ (الحياء خير كله)، قال له بُشَيْرُ بن كعب: "إنا لَنجدُ في بعض الكتب أو الحكمةِ أن منه سكينة ووقارًا لله، ومنه ضعفٌ"، قال: "فغضب عمران حتى احمرَّتا عيناه، وقال: ألا أُراني أحدِّثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتعارض فيه"؛ رواه البخاري .
ومهما علا قدرُ الرجل، وكان إمامًا في الدين، فلا أحد أفضل من أصحاب النبي، ولا أفضل من أبي بكر وعمر، ومع ذلك أنكر ابنُ عباس مَن يقابل قولهما بقول النبي، قال ابن عباس: "أراهم سيهلكون؛ أقول: قال النبي - صلى الله عليه وسلم – ويقولون: نهى أبو بكر وعمر".
ومن أسباب الثبات التواضع، وعدم ازدراء الناس واحتقارهم، فما أخرج إبليسَ من الجنة، وحل عليه اللعنة، وجعله مذمومًا مدحورًا، إلا اعتدادُه بمادة خلقه، وتكبُّره، ومَن تأمل حال كثير ممن فتروا - بل من انتكسوا - وجد عندهم الاعتداد بالنفس والزهو، واحتقارهم لغيرهم ممن لم يسلكوا طريقهم، ويوافقوهم في نظرتهم، فأرداهم كِبرُهم واحتقارهم إخوانَهم المسلمين، فأصبحوا من الخاسرين، فبحسبهم من الشر احتقارهم لإخوانهم المسلمين.
ومن العدل والإنصاف أن نرى لهؤلاء الذي انقطعت بهم رواحلهم في أثناء الطريق، أن نرى لهم سابقتهم للخير، وما قدموه لأنفسهم خاصة، أو للمسلمين عامة، فلا نبخسهم حقهم، ونغمِطهم ما لهم من خير متقدم، فقد غفر النبي لحاطب بن أبي بلتعة جسَّه على المسلمين؛ لسابقته للإسلام، ولشهوده بدرًا.
وها نحن أخي المنقطع ندعوك لمواصلة الطريق، واستعادة العمل مرة أخرى، واللحوق بقافلة الأتقياء الأنقياء، بعد أن تستفيد من أخطأ الماضي، وتصحح المسار إلى ربك.