الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: ففي باب النفقة على العيال أورد المصنف-رحمه الله- حديث عبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (كفى بالمرء إثماً أن يضيّع من يَقُوت)
قال: حديث صحيح رواه أبو داود وغيره، ورواه مسلم في صحيحه بمعناه، قال: (كفى بالمرء إثمًا أن يَحبس عمن يملك قوته)(يعني: أن يحبس القوت عمن استرعاه الله -عز وجل- إياهم، كالولد والزوجة والخادم، وما إلى ذلك.
وقوله: (كفى بالمرء إثماً) أي: لو لم يكن له من الإثم إلا هذا لكان ذلك كافياً لعظمه، كفى به إثماً أن يضيّع، كما قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع)(أي: يكفيه هذا في الكذب أن يحدث بكل ما سمع، مما يدل على شدته وعظمته، وقوله: (أن يضيّع من يقوت) بمعنى أنه يهملهم يتركهم، لا ينفق عليهم، ولا يتعاهدهم بالنفقة لأي سبب من الأسباب، إما لغيابه عنهم، يسافر ويتركهم بلا نفقة، أو لقلة اكتراثه بهم، وهو معهم، فهو لا ينفق عليهم لبخله مثلاً، ولعدم مبالاته، أو عناداً لامرأته كما يحصل أحياناً، وقد يتشاحّ الرجل والمرأة على راتبها، فيطالبها بنفقات في البيت، فتقع الخصومة، فقد يمتنع الرجل من الإنفاق، بل يصل الأمر في بعض الحالات التي أعرفها إلى أن يمنع من دخول شيء إلى هذا البيت من الطعام والشراب، فإذا وجد شيئاً قد دخل بيته عن طريق ابن الجيران أو نحو هذا أخرجه جميعاً، ذهب وحمل كل ما في الثلاجة وذهب به إلى المهملات في الخارج، هذا يحصل وموجود، ويوجد أيضاً أحياناً الرجل يتزوج المرأة الثانية فيضيع الأولى وعيالها، إما لأنه وجد من يتلهى به، وإما أن يكون هذا الإنسان بدأ يحسب حسابات في النفقات، وكثير من هؤلاء يتزوج وهو ليس عنده قدرة على النفقة على الأولى، ويذهب يتزوج الثانية، وأحياناً يتزوج ثالثة، ثم يبدأ بأنظمة حمورابي والمطالبات الصعبة، ويبدأ يقول لهم: اجتمعوا في هذه الشقة الصغيرة كلكم، ويتناوب النساء على غرفة النوم، التي ليلتها تأتي إلى هذه الغرفة، هذا موجود، ويوجد من هؤلاء من يريد المتعة بأقل ثمن، فهو يساوم على المهر المرأة الثانية، يساوم على المهر، ويشترط شروطاً، أن لا ينفق عليها، وأشياء من أجل أنه فقط يستمتع بها في بيت أهلها، يسمونه زواج المسيار، ولا يدري عنها شيئاً أين تخرج؟ أين تذهب؟ أين تأتي؟ ما الذي يحصل لها؟ لا علم له بها، وأحياناً قد يأتي بها في بيت، ثم بعد ذلك يفرض عليها أن تدفع هي إيجار هذا البيت، وأن تدفع النفقة، فإن أبت تركها، بعض النساء عدد من الحالات تقول: حينما دخلت الشقة لم أجد فيها إلا البلاط، وغرفة نوم مستعملة من الحراج، فقط ليستمتع عليها بأقل ثمن، تقول: لا ثلاجة، ولا مطبخ، ولا طعام ولا شيء، بعض النساء تقول: أنتظره إلى الليل حتى يأتيني، يأتي معه بشيء من المطعم أو نحو هذا، بعض النساء تقول: آخذ الماء من جارتي، الماء! ما عندها ماء، إلى هذا الحد، هذا موجود، أذكر هذا من أجل أنه من الناس من إذا سمع هذه الأحاديث قال: هل هناك أحد لا ينفق على عياله؟ هذه قضية مفروغ منها، وقد جُبل الإنسان عليها، نقول: مفروغ منها عند الكرام، لكن يوجد ناس لا خلاق لهم، -نسأل الله العافية-، لا خلاق لهم، يصل بهم الأمر إلى هذا الحد، فهذا من أعظم الجرم أن يضيع الإنسان من يقوت، إحدى النساء تقول: إنها تبرد الماء لطفلها على المكيف، ليس عندهم ثلاجة، في الحر تبرده على المكيف، هذه امرأة تسأل ولا يُعرف من هو زوجها، لا يعرف، إنما هي تستفتي في بعض الأمور، فليست في مقام أمام قاضٍ هي تقول وهو يقول، وما أشبه ذلك، ويمكن أن تتقول عليه، هي تستفتي في بعض الأمور، هل يجوز لها أن تمتنع منه، طالما أنه يعاملها بهذه الطريقة؟، هذه حديثة عهد بزواج، أخرى تقول: إن أهلها يريدون زيارتها بعد الزواج بأسبوع، بأسبوعين، ليس في البيت شيء يجلسون عليه، ما في فرشة، تقول: يظنون أني أسعد الناس، وأنا أقول لهم: أنا في ألف خير، وإذا جاءوا أين يجلسون؟ فـ (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت)، فيوجد ظلم، ويوجد تقصير كبير، ويوجد أيضاً تضييع للأهل والزوجات بترك الرعاية والتربية بإهمالهم يتخرجون على الشوارع، يتربون في الشوارع، ويوجد أناس لا يتربون في الشوارع لكن يتربون تربية أسوأ من تربية الشوارع على القنوات الفضائية، إلى ساعات متأخرة من الليل، تصور لو أتينا بمجموعة لاسيما ضعفاء القلوب من الأطفال والنساء، ووضعنا لهم برنامجًا، نعمل لهم حلقة نصف ساعة يوميًّا، بعد سنة كيف تتوقعون أن تكون حالهم؟ يتحسنون كثيراً، تصلح أحوالهم، تصور هؤلاء الذين يجلسون أمام القنوات ست ساعات كل يوم أو أكثر، تربيهم القنوات، يرون فتيات في أوضاع مخلة في أحضان الرجال، ويرون أموراً يتربون عليها سنين، ألا يؤثر هذا فيهم؟ هذا يمسخ نفوسهم، فهذا من أعظم التضييع لمن استرعانا الله -عز وجل- إياهم، أن يصل الأمر إلى هذا، نلقي بهم في بحر الهلكة، يتربون على الشر والمنكر والفساد، وما يحرك غرائزهم وما يفسد عقائدهم أيضاً، برامج السحر والشعوذة، كل هذا يتربون عليه وهو لا يدري شيئاً، وقد يكون يغدق عليهم الأموال والنفقات، ويسكنون في القصور، ولهم ما يشتهون، ولكن التربية بمنأى، لا توجيه، لا يجلس معهم، البنت تبحث عن إشباع عواطفها والحنو عليها من ذئب يصادر عفتها وشرفها، -نسأل الله العافية-؛ لأن والدها لا يجلس معها، ولا يحنو عليها، هو مشغول في دنياه، تجد الرجل يشتغل في التجارة، يشتغل في أعمال كثيرة جدًّا صباح مساء، طيب إلى متى هذه الحياة؟ كان يظن أن المسألة شهر، أو شهران، أو سنة إلى أن يؤسس، طيب كم سنة مضت على هذا التأسيس الآن؟، كثير قالوا هذا الكلام، وإذا نظر الإنسان تذهب زهرة العمر، ونهاية العمر والحياة على هذا من الصبح إلى الظهر، ويأتي متعبًا وينام، ومن العصر إلى الليل ويأتي وهم نائمون، ماذا فعلوا؟ وماذا تلقوا؟ أين تربوا؟ من لقنهم؟ من علمهم؟ تولتهم القنوات الفضائية، فهذه مصيبة، وأما الإنترنت وما يشاهدون فيه، وما يدخلون عليه فهذا باب واسع، تجلس البنت أو الفتاة تصابح الصبح أمام الشاشة وأمامها كاميرا، لربما تستعرض جسدها عارية، وأبوها لا يدري فيها، هذه مصائب.