لقد نهت الشريعة الإسلامية عن إستغلال النفوذ والسلطان، وألا يستغل الإنسان موقعه في العمل لجر منفعة شخصية له ولقرابته وصداقته، أو للاستيلاء على المال العام بطرق ملتوية، أو لصرف العهدات المالية ونحوها في غير ما خصصت له، أو للتكسب المادي غير المشروع، كتلقي الهدايا والرشاوى مقابل خدمات وتسهيلات للمهدين أو الراشين، وهنا يقول النبي صلى الله عليه وسلم " مَن استعملناه على عمل فرزقناه رزقا، فما أخذ بعد ذلك فهو غلول" وفي رواية أخرى يقول النبي صلى الله عليه وسلم " مَن استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطا فما فوقَه كان غلولا يأتي به يوم القيامة" وعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أنه قال استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من بني أسد يقال له ابن الأتبيّة على صدقة، فلما قدم قال هذا لكم وهذا لي.
فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال "ما بال العامل نبعثه فيأتي يقول هذا لك وهذا لي؟ فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى له أم لا؟ والذي نفسي بيده لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيرا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر" ثم رفَع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه وقال "ألا هل بلغت ثلاثا" وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي" وكما أيضا إن من الأمانه هو المحافظة على أدوات العمل وأجهزته ومعداته ووسائله، وعدم استخدامها أو تسخيرها لقضاء مصالح شخصية ومنافع ذاتية، للعامل أو لمعارفه وأصدقائه ومن له مصلحة معهم ذلك أن هذه الأدوات والأجهزة والمعدات أمانة عند العامل أيا كان عمله، وسيحاسب يوم القيامة.
إن فرّط في المحافظة عليها، وأيضا المحافظة على أسرار العمل وكتمانها، فذلك من الأخلاق الحميدة التي حث عليها الإسلام، وجعل لها ثوابا جزيلا وفضلا عظيما عند الله وفي حياة الناس، وهذا الخلق الكريم من أقوى أسباب النجاح، وأدوم لصلاح الأحوال وتحقيق الطموحات، فيقول الماوردي"اعلم أن كتمان الأسرار من أقوى أسباب النجاح، وأدوم لأحوال الصلاح" ويقول أبو حاتم البستي "مَن حصّن بالكتمان سرّه تم له تدبيره، وكان له الظفر بما يريد، والسلامة من العيب والضرر، وإن أخطأه التمكن والظفر" ولا يقدر على هذا الخلق النبيل إلا مَن اتسمت شخصيته بقوة الصبر والوفاء والأمانة، وكان من أصحاب العزائم القوية، فيقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه "سرك أسيرك، فإن تكلمت به صرت أسيره" ويقول الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز رحمه الله.
"القلوب أوعية الأسرار، والشفاه أقفالها، والألسن مفاتيحها، فليحفظ كل امرئ مفتاح سره" ويقول أبو حاتم البستي "والحازم يجعل سرّه في وعاء، ويكتمه عن كل مستودع، فإن اضطره الأمر وغلبه أودعه العاقل الناصح له لأن السر أمانة، وإفشاءه خيانة" وقد ورد في القرآن الكريم الأمر بحفظ السر ضمنا في آية الوفاء بالعهد لأن السر من العهد، فيقول الله تعالي في سورة الإسراء " وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا" ولذا نبّه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أحد أمرائه في العراق وهو أبو عبيد بن مسعود الثقفي إلى هذا الخلق الكريم بقوله "وأحرز لسانك ولا تفشين سرك فإن صاحب السر ما يضبطه متحصن لا يُؤتى من وجه يكرهه، وإذا ضيّعه كان بمضيعة"