إن الإيمان بالله عز وجل وترسيخ العقيدة في القلب، تجعل الإنسان يعيش في سعاده لا مثيل لها لأنه يسلم أمره كله لله تعالي، ويؤمن بأن الله هو القادر علي كل شيء فهو سبحانه وتعالي المنعم علي عباده والمتصرف في حكمه وملكه كيفما شاء وفي أي وقت شاء، فهذا هو الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وهو أول من جهر بالقرآن الكريم بمكة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد اجتمع يوما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا والله ما سمعت قريش بهذا القرآن يجهر لها به قط، فمن رجل يسمعهم ؟ فقال عبد الله بن مسعود أنا، قالوا إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلا له عشيرة تمنعه من القوم إن آذوه، فقال دعوني فإن الله عز وجل سيمنعني، فغدا عبد الله بن مسعود حتى أتى المقام في الضحى وقريش في أنديتها حتى قام عند المقام.
فقال رافعا صوته بسم الله الرحمن الرحيم " الرحمن علم القرآن " فاستقبلها، فقرأها، فتأملوا، فجعلوا يقولون ما يقول ابن أم عبد ؟ قالوا إنه يتلو بعض ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، فقاموا فجعلوا يضربون في وجهه، وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ، ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا بوجهه، فقالوا هذا الذي خشينا عليك، فقال ما كان أعداء الله قط أهون علي منهم الآن، ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها غدا، قالوا حسبك قد أسمعتهم ما يكرهون، فهذا هو الإيمان بالله وهذه هي العقيدة الراسخه في القلوب، وما أرخص الحياة بغير عقيدة ، وما أتفه الإنسان بغير إيمان، فحاله أخس من الحيوان، فلا بد أن يعرف المؤمن حقيقة السعادة، وأن تكون نظرته للحياة نظرة صحيحة سوية لأن بعض الناس ينظر للدنيا نظرة غير سوية، أو ينظر للمال نظرة غير سوية.
وبسبب هذه النظرة تتأثر تصرفاته في هذه الحياة، وربما تصرف تصرفات غريبة، والسبب في ذلك هو سوء النظرة، والفهم غير الصحيح للسعادة، والفهم غير الصحيح للحياة الدنيا، فهذه الحياة الدنيا لابد أن يستحضر المؤمن أنها دار ممر وعبور، وأنه لن يخلد فيها إلى أبد الآباد، وأنه مهما أعطي فيها من متع الدنيا فإنه لابد من لقاء الله عز وجل، فسبحانه وتعالى القائل "يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه" وقال تعالى كما جاء فى سورة الشعراء "أفرأيت إن متعناهم سنين، ثم جاءهم ما كانوا يوعدون، ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون" فهذه الدنيا لا تصفو لأحد، لكن لو افترض أنها صفت لأحد من المكدرات والمنغصات فإنها زائلة وفانية، ولا بد من لقاء الله عز وجل، ولا بد بعد ذلك من بعث وجزاء وحساب ونشور، فقال تعالى كما جاء فى سورة الزلزلة.
"فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره" فلابد من النظرة السوية، النظرة الصحيحة لهذه الحياة الدنيا، والنظرة الصحيحة للسعادة، وأنها إنما تكمن في الإيمان والعمل الصالح، وطاعة الله عز وجل، ومن نشد السعادة في غير ذلك فإنما ينشد أوهاما وخيالات، وإن حصل شيئا من المتع المادية فإنها زائلة وفانية، مآلها للفناء، ومن لم يقدم عملا صالحا في دنياه فإنما حصله من متع في هذه الدنيا تكون قد ذهبت، وحينئد يكون مآله ومصيره إلى الشقاوة العظيمة، كذلك أيضا لابد من النظرة الصحيحة السوية للمال، فإن بعض الناس ينظر للمال نظرة غير صحيحة، يتشبث بهذا المال وكأنه مخلد أبد الآباد، ألسنا نرى في المجتمع من هو محروم من ماله، بل هو في الحقيقة، كالحارس القوي الأمين على هذه الثروة، يحرسها للورثة بعده.