إنتهى موسم الحج وإنتهت الفريضه العظيمه فريضة الحج وهى الركن الخامس من اركان الإسلام التى نادى بها النبى الكريم فعَن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ اللهَ قَد فَرَضَ عَلَيكُمُ الحَجَّ فَحُجُّوا"، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟! فَسَكَتَ حتى قالها ثَلاثًا، فقال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : "لَو قُلتُ: نَعَم، لَوَجَبَتْ، وَلَمَا استَطَعتُم "، ثم قال: "ذَرُوني مَا تَرَكتُكُم ".
فما أسرع مُضيِّ الأيام، وانقضاء الساعات والأعوام، قبل أيام يسيرة كنا نعد الأيام والليالي، ونحسب الدقائق والثواني، نترقب قدوم شهر ذي الحجة، يترقبه الحجاج وينتظروه بفارغ الصبر من أجل أن يؤدوا فريضة الحج، بل ويترقبه المسلمون في كل مكان؛ ليعمروه بطاعة الله سبحانه ويترقبون أعظم أيام الدنيا، يوم عرفة أو النحر.
يريدون فيه القرب من الكريم الرحمن، ويريدون مغفرة الذنوب والعتق من النيران، فجاءت أيام الحج فقضى الحجاج عبادة من أعظم العبادات، وقربة من أعظم القربات، تجردوا لله من المخيط عند الميقات، وهلت دموع التوبة في صعيد عرفات على الوجنات، خجلاً من الهفوات والعثرات، وضجت بالافتقار إلى الله كل الأصوات بجميع اللغات.
وازدلفت الأرواح إلى مزدلفة للبيات، وزحفت الجموع بعد ذلك إلى رمي الجمرات، والطواف بالكعبة المشرفة، والسعي بين الصفا والمروة، في رحلة من أروع الرحلات، وسياحة من أجمل السياحات، عاد الحجاج بعد ذلك فرحين بما آتاهم الله من فضله ..
وياله من فضل عظيم وثواب جزيل فلقدْ جاءَ في الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَديثِ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: "مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عَنْهُمَا قَالَ: كُنْتُ قَاعِدًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم فِي مَسْجِدِ مِنًى فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ وَرَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ فَسَلَّمَا، ثُمَّ قَالا: يَا رَسولَ اللهِ، جِئْنَا نَسْأَلُكَ فَقَالَ: "إِنْ شِئْتُمَا أَخْبَرْتُكُمَا بِمَا جِئْتُمَا تَسْأَلانِي عَنْهُ فَعَلْتُ، وَإن شِئْتُمَا أَنْ أُمْسِكَ وَتَسْأَلانِي فَعَلْتُ". فَقَالا: أَخْبِرْنَا يَا رَسولَ اللهِ.
فقَالَ لأحدهِمَا: "جِئْتَنِي تَسْأَلُنِي عَن مَخْرَجِكَ مِنْ بَيْتِكَ تَؤُمُّ الْبَيْتَ الْحَرَامَ ومَا لَكَ فِيهِ، وعَن رَكْعَتَيْكَ بَعْدَ الطَّوَافِ، ومَا لَكَ فِيهِمَا، وعَن طَوَافِكَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ومَا لَكَ فِيهِ، وَوَقُوفِكَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ ومَا لَكَ فِيهِ، وعَن رَمْيِكَ الْجِمَارَ ومَا لَكَ فِيهِ، وعَن نَحْرِكَ ومَا لَكَ فِيهِ، وعَن حَلْقِكَ رَأْسَكَ ومَا لَكَ فِيهِ، وعَن طَوَافِكَ بِالْبَيْتِ بَعْدَ ذَلِكَ ومَا لَكَ فِيهِ مَعَ الإِفَاضَةِ" .
فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، عَن هَذَا جِئْتُ أَسْأَلُكَ. قَالَ: "فَإِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ مِنْ بَيْتِكَ تَؤُمُّ الْبَيْتَ الْحَرَامَ لا تَضَعْ نَاقَتُكَ خُفًّا ولاَ تَرْفَعُهُ إلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَكَ بِهِ حَسَنَةً وَمَحَا عَنْكَ خَطِيئَةً، وَأَمَّا رَكْعَتَاكَ بَعْدَ الطَّوَافِ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ، وَأَمَّا طَوَافُكَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ بَعْدَ ذَلِكَ كَعِتْقِ سَبْعِينَ رَقَبَةً .
وَأَمَّا وُقُوفُكَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَهْبِطُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِكُمُ الْمَلائِكَةَ يَقُولُ: عِبَادِي جَاءُونِي شُعْثًا مِنْ كِلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ يَرْجُونَ رَحْمَتِي فَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُكُمْ كَعَدَدِ الرَّمْلِ، أَوْ كَقَطْرِ الْمَطَرِ، أَوْ كَزَبَدِ الْبَحْرِ لَغَفَرْتُهَا، أَفِيضُوا عِبَادِي مَغْفُورًا لَكُمْ وَلِمَنْ شَفَعْتُمْ لَهُ .
وَأَمَّا رَمْيُكَ الْجِمَارَ فَلَكَ بِكُلِّ حَصَاةٍ رَمَيْتَهَا كَبِيرَةٌ مِنَ الْمُوبِقَاتِ، وَأَمَّا نَحْرُكَ فَمَذْخُورٌ لَكَ عِنْدَ رَبِّكَ، وَأَمَّا حِلاقُكَ رَأْسَكَ فَلَكَ بِكُلِّ شَعْرَةٍ حَلَقْتَهَا حَسَنَةٌ وَيُمْحَى عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةٌ، وَأَمَّا طَوَافُكَ بِالْبَيْتِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّكَ تَطُوفُ ولاَ ذَنْبَ لَكَ فيَأْتِي مَلَكٌ حَتَّى يَضَعَ يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْكَ فَيَقُولُ: اعْمَلْ فِيمَا تَسْتَقْبِلُ فَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا مَضَى". رواه البَزَّارُ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ.
فهنيئًا للحجاج حجُهم، وللعُبَّاد عبادتهم واجتهادهم، وهنيئًا لهم قول الرسول فيما يرويه عن ربه سبحانه " إذا تقرب العبد إليَّ شبرًا تقربت إليه ذراعًا، وإذا تقرب مني ذراعًا تقربت منه باعًا، وإذا أتاني مشيًا أتيته هرولة " ..
ولقد علمنا أن الحج من أفضل الأعمال فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله: أي العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله "، قيل: ثم ماذا؟ قال: " الجهاد في سبيل الله " قيل: ثم ماذا؟ قال: " حج مبرور " .. رواه البخاري ومسلم.
وعن عائشة قالت: قلت يا رسول الله: نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ قال: " لكن أفضل من الجهاد: حج مبرور" . رواه البخاري ومسلم.
فهل يا ترى كان حجنا مبروراً؟ وما هو الحج المبرور الذي قال فيه رسول الله: "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة". رواه البخاري ومسلم.
ولقد بينه بقوله صلى الله عليه وسلم : "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه". رواه البخاري ومسلم.
وما أجمل أن يعود الحاج بعد حجه إلى أهله ووطنه بالخلق الأكمل، والعقل الأرزن، والوقار الأرصن، والشيم المرضية، والسجايا الكريمة، ما أجمل أن يعود الحاج حسن المعاملة لقُِعَّاده، كريم المعاشرة لأولاده، طاهر الفؤاد، ناهجًا منهج الحق والعدل والسداد، المضمر منه خير من المظهر، والخافي أجمل من البادي، وإن من يعود بعد الحج بتلك الصفات الجميلة هو حقًا من استفاد من الحج وأسراره ودروسه وآثاره.
إنه يربي تحقيق التقوى، فالغاية من الحج تحقيق التقوى، ولذا نجد ارتباط التقوى بالحج في آيات الحج بشكل واضح جلي قال الله عز وجل: (وأتموا الحج والعمرة لله) إنه يؤصل قضية التوحيد في النفوس، فالحج يرتكز على تجديد النية لله، وإرادته بالعمل دون سواه، ويتضح ذلك في الشعار الواضح الصريح: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك).
إنه كذلك يربي المسلم على تذكر الآخرة، وتذكر الخلائق يوم القيامة فيجعله زاهداً في هذه الدنيا، مقبلاً على الدار الأخرى.
فهل يا ترى استفاد الحجاج من حجهم؟ هل تأملوا هذه المعاني وهذه الدروس وهذه الحكم والأسرار البليغة في هذه العبادة؟.
إن للحج المبرور أمارة ولقبوله منارة، ولقد سئل الحسن البصري ما الحج المبرور؟ فقال: أن تعود زاهدًا في الدنيا، راغبًا في الآخرة.
إن من عاد إلى بلاده بعد أدائه الحج، وقد تغير حاله، واستقامت نفسه على عبادة الله وحسنت أخلاقه مع عباد الله لهو الفائز حقاً، نعم هو الذي استفاد من حجه.
ولكن أين أثر الحج فيمن عاد بعد حجه مضيعًا للصلاة، مانعًا للزكاة، آكلاً للربا والرشا، متعاطيًا للمخدرات والمسكرات، قاطعًا للأرحام والغًا في الآثام والموبقات؟!
من لبى نداء الله في الحج كيف يلبي بعد ذلك لدعوة أو مبدأ أو مذهب أو نداء يناهض دين الله الذي لا يقبل من أحد دين سواه؟!
من لبى لله في الحج كيف يتحاكم بعد ذلك إلى غير شريعته، أو ينقاد لغير حكمه، أو يرضى بغير رسالته؟!
وإن من علامة قبول العمل عند الله، أن يوفق العبد لعمل خيرٍ آخر، فالحسنة تجر الحسنة والسيئة تجر السيئة، إلا فمن أراد أن يعرف هل قبل الله منه أولاً فليرَ نفسه كيف هو بعد الحج؟ هل زاد إيمانه ويقينه؟ هل زادت صلته بالله؟ هل رق قلبه وخشع لذكر الله، هل ذرفت عيونه بكاء من خشية الله؟
هل ازداد محافظة على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة؟ هل ازداد تعلقه بالقرآن وبذكر الله، هل زادت همته في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. هل ابتعد من الحرام، هل ترك الربا والزنا والمحرمات، هل كف عن استماع الأغاني والملهيات، هل ترك النظر إلى المحرمات، هل وهل..؟.
هل فتح صفحة جديدة مع الله، وتاب من جميع الآثام والذنوب وأصبح ذلك الرجل على طاعة الله الدؤوب؟.