السعاده والحياة الطيبة

السعاده والحياة الطيبة

تكون الحياة الطيبة لأهل الإيمان والعمل الصالح وأما غيرهم حتى وإن تمتعوا بالملذات المحسوسة فإنهم في ضيق ونكد لأن مدار السعادة على القلب وراحته وصدق من قال لبيت تخفق الأرواح فية أحب إليّ من قصر منيف، ولبس عباءة وتقر عيني أحب إليّ من لبس الشفوف، بل إن المؤمن الذي يرجو ما عند الله تعالى حتى وإن ضيق عليه في الدنيا وامتحن فيها فإنه بإيمانه وعمله الصالح يشعر بسعادة غامرة, ولهذا يذكر ابن القيم رحمه الله أنه سمع شيخ الإسلام ابن تيمية يقول إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة, وقال أيضا ما يصنع أعدائي بي؟ إن جنتي وبستاني في صدري إني رحت فهي معي لا تفارقني.

إن حبسي خلوة وقتلي شهادة وإخراجي من بلدي سياحة، وكان يقول في محبسه في القلعة، لو بذلت ملء هذه القلعة ذهبا ما عدل عندي شكر هذه النعمة، ويقول وقال لي مرة المحبوس من حبس قلبه عن ربه تعالى والمأسور من أسره هواه ولما دخل إلى القلعة وصار داخل سورها نظر إليه وقال فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله عذاب, ويقول ابن القيم وعلم الله ما رأيت أحدا أطيب عيشا منه مع ما كان فيه من ضيق العيش فهو من أطيب الناس عيشا وأشرحهم صدرا وأقواهم قلبا وأسرهم نفسا تلوح نضرة النعيم على وجهه، وإن السعادة الحقيقية تكون بالإحسان إلى الخلق بالقول والعمل وأنواع المعروف فإن الله يدفع به الهموم والغموم عن العبد.

ويعاملك الله وفق معاملتك لعباده فقال الإمام ابن القيم رحمه الله من رفق بعباد الله رفق الله به، ومن رحمهم رحمه، ومن أحسن إليهم أحسن إليه، ومن جاد عليهم جاد عليه، ومن نفعهم نفعه، ومن سترهم ستره، ومن منعهم خيره منعه خيره، ومن عامل خلقه بصفة عامله الله بتلك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة، فالله لعبده حسب ما يكون العبد لخلقه، وكذلك تكون السعاده بالاشتغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة مما تأنس به النفس وتشتاقه، فإن ذلك يلهي القلب عن اشتغاله بالقلق الناشئ عن توتر الأعصاب، وربما نسي بسبب ذلك الأسباب التي أوجبت له الهم والغم، ففرحت نفسه وازداد نشاطه، وتكون أيضا باجتماع الفكر كله على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر.

وترك الخوف من المستقبل أو الحزن على الماضي، فيصلح يومه ووقته الحاضر،ويجد ويجتهد في ذلك، وكذلك بالإكثار من ذكر الله، فإن ذلك من أكبر الأسباب لانشراح الصدر وطمأنينة ‏القلب، وزوال همه وغمه، فقال تعالى فى سورة الرعد "ألا بذكر الله تطمئن القلوب" وإن بذور السعادة وأساسها يكمن في دواخل البشر جميعا، إلا أنهم دائمو البحث عنها خارج روحهم ونفسهم، مما يستنزف طاقاتهم من عمل وعائلة وأموال وطعام، ليستشعروها لفترة صغيرة وخاطفة، ويسعون بعدها في دوامة للحصول عليها مرة أخرى، ولذلك على الإنسان البحث عن السعادة الحقيقية في أعماق داخله فقط، وإلا فلن يجدها في أي شيء خارجي بشكلٍ حقيقي.

والسعادة الحقيقية قرار يتخذه الإنسان بإراداته وصبره ورغبته، فإذا عزم الإنسان على أن يكون سعيدا سيفرح بأبسط الأشياء وأصغرها ويحفل بها، وينظر لها بعين الرضا والحب، لا السخط والكره، وسيركل كل ما ينغص عليه فرح وسعادة يومه حيث لن يستطيعَ الإنسان أن يمنع الهموم والمتاعب من التحلق حوله، لكنه بالطبع يستطيع أن يمنعها من دخول عقله، فوسائل التنغيص وطرقه كثيرة، لا تنتهي إلا باتخاذ المرء قرارا يمنح به نفسه السعادة، وإن السعادة في الإسلام لا تقتصر على المعنى المادي منها فقط، وإن كانت الأسباب المادية عنصرا من عناصر السعادة، بل ركزت على الجانب المعنوي لكونه أثرا يأتي من السلوك الصحيح والقويم.

الكلمات المفتاحية السعادة الحياة

مقالات مشابهه

من قسم آخر


التعليقات

ضعي تعليقَكِ هنا

التقيمات

راديو القمة

radio

الأكثر قراءة

فيس بوك

a
;