توضأ الأب استعداداً لصلاة الجمعة فإذا به يجد ابنه ذو الست سنوات يقف أمامه قائلاً.. ها أنا توضأت يا أبي خذني معك لصلاة الجمعة.
ضحك الأب في حنان وقال لابنه: هل توضأت كما علمتك يا سليم؟.
سليم: نعم يا أبي.. وتعلمت منك أيضاً أن يوم الجمعة عيدنا فلبست الجلباب الأبيض الجديد الذي كنت ألبسه في صلاة العيد.
الأب: أحسنت يا ولدي... هيا بنا إلى المسجد.
دخل الأب إلى المسجد ممسكاً بابنه في فرح، فقد كبر الولد وأصبح يتوق لصلاة الجمعة معه، خلع حذاءه فخلع الابن حذاءه أيضاً وحمل الولد حذاءه وحذاء أبيه كي لا يجعل أباه ينحني.
أخذ الأب الحذائين من ابنه وقبل رأسه بابتسامة فرح.
ودخلا سوياً واتخذا مجلساً أمام الخطيب.
وأثناء الخطبة أحس الجميع بتوتر في المسجد وأصوات تتعالى تبعتها مباشرة أصوات طلقات من أسلحة آلية تأتي من كل الاتجاهات، باب المسجد ونوافذه، رصاصات تخترق الأجساد فترديها على الفور.
أخذ سليم يتلفت وسأل أبيه: ماذا يحدث يا أبي؟
ارتمى الأب فوق ابنه يحمي جسده النحيل من الرصاص قائلاً: لا تخف يا سليم، سوف نكون بخير بإذن الله.
سليم: المصلون غارقون في دمائهم يا أبي.. من الذي يقتلنا ونحن نصلي؟
الأب: لا أعلم يا ولدي، لا يفعل ذلك إلا الشياطين، فلا يرضى بتدنيس بيت الله وقتل المصلين سوى الشيطان، أشهد ألا إله إلا الله (نطقها الأب عندما أحس باقتراب أحدهم منه يتحسس جسده ويتأكد أهو حي أم ميت). وعندما وجد فيه الروح أطلق دفقة من سلاحه فاستقرت الرصاصات في ظهر الأب، ويا ليتها استقرت فحسب بل اخترقته بعضها لتستقر في صدر الصغير.
أبي .. أبي (قالها الصغير بصوت بُح من الصدمة ومن أثر الرصاصات في صدره) فلم يجبه أباه الذي فارق الحياة شهيداً متوضئاً مصلياً، وهو الذي كان منذ قليل ضيفاً في بيت الرحمن، والآن هو يُزف إلى السماء روحاً طاهرة نقية، ليلقى وعد الله في الجنة.
أحس سليم ببلل في صدره لم يعرف أهو دمه أم دم أبيه اختلطت الدماء والأوجاع.
وأخذ الابن يبكي قائلاً: خذني معك يا أبي.. لم يبقى لي عيش في دنيا يُقتل فيها المصلون في المساجد، خذني معك يا أبي فلا أمان لي بعد الآن.. وفاضت روحه وهو ينزف دموعاً ودماً. قُتل من كانوا لله ركعاً وسجوداً، على يد وحوش نسوا أن للكون إله منتقم جبار.