الدعم هي الماده التي تتحدث عنها الحكومات في كل العصور وذلك لانه يعتبر صمام الأمان للمواطن الفقير والمتوسط وحق كفله الدستور للمواطنين ، وهو يلعب دور كبير في حفظ التوازن في السوق المصري والمعضله التي تواجه جميع الحكومات هي كيفية وصول الدعم لمستحقيه ،
فالدعم يكلف الدوله نسبه كبيره من الدخل القومي ، وتحاول جميع الحكومات تعديل النظم وترشيد الدعم حتي يستفيد منه كل مواطن يحتاج اليه ولا يتم تسريبه لمن لا يستحق ، فيتحمل المواطن البسيط تبعية سياسات خاطئه ترسمها الحكومات ،
وفي هذه الحقبه الزمنيه تبنت الحكومه رفع الدعم التدريجي عن السلع الغذائيه ودعم المحروقات كرؤيه إستراتيجيه لعملية التنميه ويعتبر دعم المحروقات يمثل نسبه كبيره وبخاصه السولار في نسبة الدعم من الدخل القومي وتم البدء برفع الدعم الجزئي عن البنزين والسولار لتعويض العجز في موازنه الدوله ولتحقيق شروط صندوق النقد الدولى ، ولذلك وجب أن نتفهم هذه الخطوات ونقوم بتحليلها حتي نتعرف على مدى أمكانية نجاح هذه السياسه في تحقيق العيشه الكريمه للمواطن وإنتعاش الإقتصاد من عدمه،
ولذلك يجب أن نعلم جيداً أن مصر لها طابع إقتصادي ذو طبيعه خاصه فنظام وهيكل الأسعار في مصر يختلف عن نظام وهيكل الأسعار في اي دوله أخري كاأمريكا وأوروبا ،
ومثال لذلك الفتره التى سبقت عملية التعويم كانت المرتبات بقيمة 2000 الي 3000 جنيه يعتبر مرتب جيد يمكن العيشه به لمدة شهر وإذا تم تحويله للدولاريحول بقيمة 300 دولارتقريباً وهذا المبلغ لاتستطيع العيش به في أمريكا ، لتوفر به نفس أسلوب الحياه من حيث الأكل والعلاج والسكن والملبس ، ومن هنا نكتشف أن القيمه الشرائيه للعمله المصريه داخل الحدود المصريه تختلف عن سعر الصرف لها أمام الدولار ، أي ان المواطن المصري عندما تضعه في هيكل الأسعار والسوق الأمريكي يحتاج الى مرتب أكبر بكثير حيث لاينفع تحويل الجنيه المصري الى دولار،
وعند المقارنه للأرقام والأحصاءات الرسميه بين مستوي الأسعار في مصر ومستوي الأسعار في دول اخري نجد ان القوه الشرائيه للدولار مثلاً تعادل 3 جنيه وسعر الصرف يعادل 6 جنيه ،
ولحساب دخل الفرد في اي دوله تطبق المعادله التاليه: - أجمالي ناتج الدخل القومي بقسمته علي عدد السكان فيعطي الدخل القومي للفرد فلو أفترضنا ان دخل الدوله تريليون ونصف أي الف وخمسمائة مليار علي عدد السكان فيكون نصيب الفرد حوالي 3000 دولار وقوته الشرائيه حوالي 6000 دولار ،
والحقيقه أنه لايوجد مواطن يستلم راتب بهذا الشكل بل يستلم أقل بكثيرفالحكومه تستقطع منه تكاليف الخدمات التعليميه والصحيه والجيش والشرطه وخدمات الوزارات فهي تعود علي المواطنين بشكل غير مباشر ،
وتقع مصر في المرتبه ال138 من حيث دخل الفرد فنحن نعيش في الربع الفقير من العالم ، ونلاحظ في هذه الأرقام أنه لايمكن أن تعيش بهذا المبلغ في أمريكا وهذا المبلغ يعتبر المتوسط الحسابي الإفتراضي وليس المرتبات الحقيقيه وهو يعبر عن أجمالي الدخل ،
وهناك ثلاثه أسباب توضح وجود الفرق بين القيمه الشرائيه وقيمة الصرف وتتلخص في اولاً دعم أسعار البنزين والسولار فتقلل من قيمة النقل والتي يترتب عليها أن أسعار سلع كالعيش والزيت والمنتجات الزراعيه تكون أسعارها أقل من الخارج ، مع ان الدعم يصل جزء منه لجيوب المنتجين ولكنه يقلل الأسعار ويقلل فاتورة النقل ،
فيترتب عليه الرضي في مرتبات أقل نتيجة اعتدال الأسعار ويترتب عليه أسعارمناسبه للخدمات كالأطباء والمحامين والمدرسين أقل بكثير من أسعارها مثلا في أمريكا أو دول أوروبا ،
ثانياً وجود نسبة بطاله تقارب 12 الي 13% تساهم في قبول الأعمال بمرتبات منخفضه ، فتكون تكلفة العماله للمستثمر تشجعه علي عمل عروض للبيع وتقليل الأسعار لأرتفاع هامش ربحه ولولا وجود الطمع والجشع وعدم الرقابه لكانت الأسعار اقل بكثير، وهذا الفرق في السعر يعطي الجنيه قوه شرائيه ،
ثالثاً الصناعه المصريه غير منافسه والكثير منها لايصدر للخارج فيوفر هذا منتجات بأسعار مناسبه نظراً لاحتياجه لزيادة مبيعاته داخل مصر، وتعتبر هذه الميزه حمايه حيث أن المنتجات الغير قابله للتصدير لايوجد غيرنا من يستهلكها،
ومن خلال هذا التحليل نجد ان بعض الأشياء التي ننتقضها ولا تروق لنا هي التي تخلق مناخ مناسب من الأسعار وتجعل القيمه الشرائيه للجنيه في مصر أعلي من الخارج مثل الدعم الذي تتحمله الدوله ويفقد منه الكثير ووجود نسبه من البطاله وتدهوربعض الصناعات ،
وبالنظر لفكرة رفع الدعم نجد ان النتيجه تكون كالتالي:
اولا تقليل القيمه الشرائيه للجنيه نتيجة أرتفاع الأسعار فارتفاع أسعار النقل تؤدي الى ارتفاع السلع حتي السلع الزراعيه بدون استيراد ولا تصدير ويترتب عليها أرتفاع أسعار الخدمات فالدكتور والمحامي والمعلم وغيره عندما ترتفع الأسعار يقوموا أيضا برفع أسعار خدماتهم ،
ثانيا الارتفاع فى اسعار الخدمات لايصاحبه أرتفاع في المرتبات للموظفين فيقل الإستهلاك ويقل الطلب علي البضائع فيقل الإنتاج فيحاول التجار تقليل السعر ولكن لايستطيعون نتيجة أرتفاع التكلفه ،
فيقلل خطوط الانتاج ويقلل عدد العماله فيزيد من البطاله ، وبأرتفاع اسعار السلع المصريه وأقترابها من سعر السلع المستورده يقوم المواطنين المقتدرين بشراء السلع المستورده لقربها من سعر المنتج المصري فيزيد الأستيراد ويزيد الطلب على الدولار ويقل قيمة الجنيه
فنجد ان الحكومه أتجهت لذلك لتحل عجز الموازنه ولكن ترتب عليها بطاله وأرتفاع أسعار وتضخم ، فتقليل المصروفات يقلل من النشاط التجاري والزراعي والصناعي فتقل حصيلة الضرائب فتكون النتيجه أن الدوله وفرت أموال الدعم فخسرت جزء كبير من أموال الضرائب ولم تقم بحل مشكلة عجز الموازنه كما توقعت ولو تم حلها جزئيا وتم الأعتماد علي تدفق الأستثمارت الأجنبيه فلم يحدث ذلك لان فرص البيع داخل مصر قلت وكذلك فرص التصدير لأرتفاع التكلفه ، وهل ينتج عن أرتفاع الأسعار والبطاله أستقرار سياسي !!!
فبوقوف عجلة الأنتاج يتم سحب الدولار وخروجه للخارج ونحن في حاجه للعمله الأجنبيه لإستيراد القمح والادويه والاسلحه وغيرها من إحتياجات الدوله ، والسؤال هل هناك طرق لسد عجز الموازنه نعم يمكن بتوجيه الأموال في أماكن أفضل لتحقيق عائد أعلي فتساهم في التنميه المرجوه ، فالحكايه ليست رفع الدعم وفقط ، الحكايه إنضباط وحسن إدارة موارد والتخلص من الفساد والحفاظ علي طبقات الشعب وتحسين الخدمات ورفع مستوي الوعي والتعليم والثقافه التي تساهم في زيادة الأنتاج وحل المشكلات رؤيه لا يمكن مناقشتها إلا في كلام مصاطب .