حوار -هيلانة الشيخ
هذا الشاب المصري الذي قام بقطع يديهِ تحت قضبان الحديد، غير آبه للعواقب. كان القاضي والجلّاد والجاني والمجني عليه، قرر قطع اليسرى ولم يكتفِ فقطع اليمنى ويتفاخر بهذا الانجاز ويعتبر ما أقدم عليه بطولةً مطلقةً ظفر بها دون سواه ولم يسبقه عليها أحد ،هذا الشاب ينعت نفسه باللص التائب ، فهل كانت قصته الدرامية مضرب مثل للمسلمين والعائدين إلى الله ؟
وهل قطع اليد يُباح بهكذا مبرر وبهكذا طريقة ؟
علي اقتحم الخاص مرات ومرات ملحًّا يطلب مني الاستماع إلى قصته والكتابة عنه ويرى في قصته مادة دسمة تستحق النشر فهو كما كتب عنه الجميع بلا استثناء ؛ البطل الذي طهر يديه من دنس الجريمة.
وعندما حاورته قبل أربع سنوات فوجئ علي؛ بوابل من الأسئلة الجارحة ، وكان يردد لي : بالراحة عليّ أنا مش فاهم حاجة يا ريسة .
عاد اليوم يطالبني بحوار جديد، تخيلت لوهلةٍ أن علي جدّ في حياته جديدا أو تغيرت مفاهيمه الأولى التي أرفضها وأعتبرها محض جنون .
هذا الشاب الثلاثيني من عائلة ميسورة الدخل ، إخوته متعلمون بدجات عالية ووالده يعمل مؤذنًا في المسجد في قريته الصغيرة بِمحافظة طنطا.
من هنا بدأ الحوار؛
س- من أنت يا علي ؟
- أنا علي محمد العفيفي من قريه ميت حبيش القبليه مركز طنطا محافظه الغربيه
س - أين يداك ؟
فأجاب : يعني ايه يا ريسة مش فاهم دي؟
س - يعني فين إيديك يا علي ؟
- أنا قطعت إيديّ علشان أنا كنت حرامي ومجرم جامد وأنا عايز أتوب ومش عارف، قمت رايح قاطع الايد الأولى الشمال تحت عجلات القطار..
- احكي لي بالتفصيل يا علي .
س- ممكن أحكي مايك علشان أنا اللي بكتب ؟
- لأ يا علي علشان هاخد كلامك نسخ .
- شوفي يا ريسة .
ثم بعث بمجموعة من الحوارات القديمة .
س - فسألته : هل تسعى للشهرة ؟
- لا أنا مش بسعى للشهرة الآخرة هي اللي دائمة .
س - إذن لماذا تستميت في الظهور على الإعلام ؟
- أنا عملت كدا عبرة وعظة علشان الحرامية الكبار يتوبوا .
س- وهل يُباح لك قطع يديك حسب الشرع ؟
- أنا أقمت الحد على نفسي .
وحسبما علمت ؛ علي لم يتعلم وترك المدرسة منذ الصف الأول إعدادي وبصعوبة شديدة يقرأ ويكتب ولم يتعلم حرفة غير السرقة التي كانت عارًا عليه بين إخوته المتعلمين فأراد تطهير ذاته وطلب من أحد الملتحين بقريته إقامة حد قطع اليد عليه فرفض ولكن ظهر في صورةٍ له وهو يضع يده على قضبان الحديد بجواره رجلٌ يبدو أنه من ساعده على هذه الجريمة.
علي يتفاخر بفعلته الشنيعة ويحكيها كما لو كانت بطولةً من بطولات التاريخ المجيدة .
ولما سألته : ما هو نصاب السرقة الموجب للحد ؟ ومن يُأهلُ للقطع ؟ وعدد السرقات ؟ ووو
استوقفني : مش فاهم حاجة يا ريسة دنا يدوب واخد اعدادي ..
س - ألست نادما يا علي ؟
- أهلي دكاترة وأساتذة وأنا حرامي ، أنا فرحان ومش ندمان وسعيد وعمري ما هندم وأنا ضميري مرتاح .
س - علي كيف تقضي حاجتك وكيف تغتسل منها ؟
- عادي أنا عايش عادي بعمل كل حاجة.
س - وكيف ستتزوج ؟ ألا تشعر بالوحدة ؟
- أنا عاوز أتزوج لكن ما حد موافق عليّ ونفسي أتزوج .
س - ولو تزوجت وأنجبت ماذا ستقول لأولاك ؟
- الحمدلله هقول لهم : أنا كنت حرامي وقطعت أيديّ وأنا مرتاح وأنا مرضي
س - إذن مم تتذمر ؟
- يعني ايه ؟
- يعني ؛ تشتكي من الحكومة .
- الحكومة مش سائلة فيّ وأنا علي عفيفي زي الكلب ماليش قيمة .
س- عاوز الحكومة تترك كل مشاكل المصريين وتهتم بيك أنت ؟
- ضحك علي - مغلولا-وقال : خلاص مش عاوز وحسبي الله ونعم الوكيل في الحكومة يا معالي الريسة أنتِ لكِ كل الاحترام والتقدير.
وعندما فتشت في ملفات علي علمت ؛ أن والده أدخله مصحةً للعلاج النفسي وتأهلّ للخروج بعد شهرين وأن والدته تعرضت لوعكةٍ شديدةٍ بسبب فعلته الشنيعة .
قام علي بزيارة مكة برفقة والدته حسبما يقول : على حسابه الخاص بينما دخله لا يتجاوز 323 جنيهًا كل شهر، ويرفض علي الوضوح التام بشأن قطع يديه فعندما سألته :
س - وعندما قطعت يدك كيف توقف الدم ؟ من أسعفك ؟
- أنا والله قطعتها تحت القطار وماحدش ساعدني
س - ألم تنزف ؟
- ربطتها ولفيت البلد .
أزعجني لدرجة قلت له - بغضب -: هو الدم وقف لوحده ولفيت بيها البلد فرحان ..
ولازال علي مصممًا على التكتم حول من ساعده ومن قام بالتقاط الصور له وهو بجانب القضبان وما الدافع الحقيقي لهذه الجريمة !!
لست ممن يتعاطفون مع هذا النوع من العاهات البشرية ولا أُشفق عليها وأعتبرها جرمًا لابد من مكافحتهِ واستئصال المحرضين عليه من جذورهم .
فهل نخرج عن الإسلام عندما نرفض قطع اليدين ونستبدها بعقوبةٍ تتوافق مع مفاهيمنا للتشريعات التي تحتاج إعادة النظر في كيفية وحيثية تطبيقها؟!