أصبح الرحالة الإماراتي الدكتور خالد جمال السويدي على بعد 500 كيلومتر تقريباً من مكة المكرمة، التي توجه إليها جرياً من مدينة أبوظبي في الأول من فبراير 2019، في رحلة تحمل مضامين دينية وإنسانية ووطنية يسعى الدكتور خالد جمال السويدي إلى نشر الوعي بها والدعوة إليها بالطريقة الفريدة التي اختارها، وهي الجري أكثر من 2000 كيلومتر، تمثل تحدياً هائلاً وتعكس قدرات رياضية فذة، وإيماناً بالرسالة التي يقتضي الوفاءُ بها تحمُّلَ هذا القدر الهائل من المشقة والتعب والجهد الذي يفوق التصور.
ولم يكن الوصول إلى خوض هذا التحدي أمراً سهلاً، فقد تدرب الدكتور خالد جمال السويدي ما يقرب من سنة كاملة، أخضع نفسه خلالها لبرنامج صارم ومرهق، كان يتضمن ثماني ساعات يومياً من التدريب القاسي، والذي لم يتوقف يوماً واحداً منذ منتصف فبراير 2018، مع التزام برنامج غذائي دقيق وضعه بنفسه، بناء على خبرة رياضية وغذائية عميقة راكمها الدكتور خالد السويدي عبر سنوات من القراءة حول الرياضة والجسم البشري وخصائص الغذاء، وأصبح ينقل خبراته إلى الآخرين عبر قنوات كثيرة جعلته واحداً من الخبراء المرموقين في هذا المجال.
وعلى الرغم من أن الدكتور خالد جمال السويدي أكاديمي درس العلاقات الدولية في أهم الجامعات الأمريكية والبريطانية، وهو المدير التنفيذي لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أحد أهم مراكز الفكر والبحث العربية والعالمية، فإن ذلك لم يمنعه من البحث عن تحقيق نجاح ضخم وغير مسبوق في مجال آخر، هو مجال الرياضة، واختار لنفسه دائماً أهدافاً تبدو مستحيلة أو قريبة من المستحيل، لأنه يؤمن بأن الأهداف الكبيرة تنمي الإنسان وتجعله أقوى، وأن أي هدف مهما بلغ لا يستعصي على الإرادة الصادقة، والعزيمة الحقيقية، إذا كان الإنسان مستعداً للمعاناة وبذل ما يلزم من جهد لتحقيقه.
ويقوم الدكتور خالد جمال السويدي بهذا التحدي للتعبير عن تقديره لعلاقات الأخوة بين دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية، وهو يعتبر رحلته رسالة محبة إلى السعودية قيادة وشعباً، ويرى أن الترحيب والمحبة والتقدير الذي عبَّر عنه أشقاؤه السعوديون كان أمراً رائعاً، وأنه على طول الطريق من أبوظبي إلى مكة أحس بأن المشاعر الشعبية الجياشة التي لقيها، وكلمات التشجيع والتحفيز الصادقة من إخوته في المملكة العربية السعودية، كانت من بين عوامل منحه قوة إضافية. كما أن الدافع الروحي لرحلته إلى مكة يمنحه قوة لا حد لها، فهو يرغب في أن يؤدي العمرة بعد أكثر من 35 يوماً من الجري، واللحظة التي سيصل فيها إلى البيت الحرام ستكون أعظم لحظات حياته.
ويوضح الدكتور خالد جمال السويدي إنه استمد عزيمته الهائلة من والده الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، المفكر والأكاديمي الإماراتي الشهير، الذي رُشِّح أخيراً للحصول على جائزة نوبل في الآداب، فقد ورث الدكتور خالد عن والده روح المحارب والقدرة على الصمود أمام أصعب الظروف، ويذكر الدكتور خالد السويدي دائماً أنه تعلم الكثير من الحرب التي خاضها والده الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، ضد عدوٍّ شرس هو مرض السرطان، وأن والده استطاع بفضل الله وبفضل عزيمته الهائلة قهر مرض السرطان وشُفي منه تماماً، كما أن نموذج حياة والده الحافل بالإنجازات والذي لا يعرف الكلل أو الملل كان مُلهماً له ولكثيرين ممن اطلعوا على سيرته الذاتية التي أصدرها في كتاب بعنوان "لا تستسلم: خلاصة تجاربي"، وحكى فيه تجربته مع مرض السرطان.
وعلى الرغم من أن الدكتور خالد السويدي يجري منذ 22 يوماً، فإنه في كل حواراته وصوره ومقاطع الفيديو التي ينشرها على مواقع التواصل، وينشرها كذلك محبوه ومشجعوه، يبدو قوياً وواثقاً، وقد أرجع ذلك إلى أن تدريبه كان في أقسى الظروف، وإنه كان يحرص على الجري في البرد القارس وفي أعلى درجات الحرارة، وفي مناطق جبلية وصحراوية وعرة، وكان يُعرِّض نفسه لتحديات شديدة الصعوبة استعداداً للجري، وهو ما جعل التحديات التي واجهها خلال رحلته أمراً مُعتاداً. وظهر ذلك أثناء العاصفة الرملية الشديدة التي واجهته في اليوم التاسع عشر من الجري، والتي لم يستسلم لها، بل واصل جريه في ظل طقس رهيب غاضب، وأكمل خمسين كيلومتراً في ذلك اليوم العاصف.
ويؤكد الدكتور خالد السويدي أنه على ثقة من أن وصوله إلى البيت العتيق الذي يهفو إليه قلب كل مسلم، سوف يمحو كل التعب، وأنه لن يتوقف عن خوض التحديات الكبرى، رغبة في أن يقول لكل شاب عربي إنه لا شيء مستحيل، وغن على الجميع أن ينجزوا تحديهم الخاص، ليكونوا أقوى وأقدر على تحقيق النصر في أي مجال يريدونه لأنفسهم، لأن بذل الجهد والخروج من منطقة الراحة والاستسهال هي الشرط اللازم لتحقيق النجاح.