بحثنا الإسلام عن البعد عن الغش؛ فإن الغش حرام على المسلم، فمن آداب البيع المهمة أن يكون البائع بعيداً عن الغش في بيعه، يبيع بيعاً واضحا، وتكون سلعته سلعةً لا غش ولا خيانة فيها، والنبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: "مَن حمل علينا السلاح فليس منا، ومن غشنا فليس منا". والغش أنواع كثيرة: غش في الإنشاءات؛ فقد يقيم متجراً ويقيم عمارات ويشيدها ويظن الظان أنها على أحسن المستويات لما يرى من تذويق في ظاهرها، إلا أن هذا المنشئ لها غاش في تكوينها، لا يبالي، لو كان هذا مسكنه أو عمله الخاص واستغلاله الخاص لأبدى فيه من القوة والانضباط ما يبدي، لكن؛ لما كان بيعاً تجارياً لا يبالي في الغش، فسرعان ما تظهر خيانته في هذا البيع، وتبدو في البيع عيوب كثيرة أصلها الغش… ومن الغش أيضاً الغش في توريد السلع، فربما علم المورد أن هذه الأجهزة الموردة لا بد أن تنتهي في زمن يسير، وهو يعلم ذلك؛ لكنه لا يبالي، حيث إن الذي يستوردها قد يبيعها بأسعار خيالية أو قد يكسوها شعاراً غير شعارها الحقيقي، ترويجاً لها ودعوة إليها، وهو يعلم أنها خراب، وأنها سرعان ما تضعف وسرعان ما تتلف، لكنه لا يبالي؛ لضعف الإيمان في قلبه، وقلة الخوف من الله. ومن الغش أيضاً الغش بالسلع التي انتهى وقتها المحدد لها، فهو لا يبالي بذلك، فكل مطعوم أو مشروب انتهت صلاحيته حرام عليك أن تبيعه إلى إنسان، حرام عليك أن تبيعه وأنت تعلم أن صلاحيته قد انتهت. إن الغش في السلع الاستهلاكية أو المطعومات من أعظم البلاء، لا سيما الغش في المطعومات والمأكولات، فإن هذا من الغش الذي يهدد صحة الإنسان وسلامته وعافيته، ومن آداب البيع أيضاً: صدق البائع في بيعه وصدق المشتري في شرائه، فالبائع يصدق في بيعه، لا يكون كاذبا ولا غاشاً ولا خائنا، بل صادقا يعرض السلعة سليمة من العيوب، يقول صلى الله عليه وسلم: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا؛ فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما". فصدق البائع واضح في سلعته، وخلوها من العيوب، وسلامتها، وصدق المشتري أيضاً في وفائه في الثمن، وإعطائه في وقته، لا تكون شيكاته مزورة أو خالية من الرصيد، بل يكون رصيدها موجودا حتى لا يضر بذلك البائع. ومن الآداب في البيع أيضاً: تقوى الله، والعدل في الوزن والكيل، يقول الله جل وعلا: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إذا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإذا كَالُوهُمْ أو وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) ومن الآداب في البيع: القناعة لدى البائع بما يسر الله له، فأنت أيها البائع لا بد أن تربح وتسعى في الربح؛ لكن، ليكن هذا الربح ربحاً واقعياً لا ربحاً تجاوزيا. ومن الآداب أيضاً: الالتزام بالعهود والعقود والوفاء بها، قال الله -جل وعلا-: (وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) وقال: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ أن الْعَهْدَ كان مَسْئُولاً) ، والبيع والشراء عقد، والله يقول: (وَأَشْهِدُوا إذا تَبَايَعْتُمْ) ، كل ذلك من أجل رفع الحرج، والوفاء بالعقود، وعدم الخيانة والخداع في ذلك. ومن آداب البيع أيضاً: أن يكون المسلم بعيداً عن بيع كل أمر محرم، فكل أمر تحرمه الشريعة تكون بعيداً عنه؛ لأن الله يقول لنا: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) ، فمن التعاون على العدوان البيوع المحرمة، كبيع الخمور والخنزير والميتة والحيوانات الغير مأكولة، وغير ذلك. ومن آداب البيع: أن يترك المسلم وقت سماع الأذان: "حي على الصلاة حي على الفلاح" بيعه وشراءه، ويقبل إلى المسجد لأداء هذه الفريضة؛ ليتمكن من الوضوء وإدراك تكبيرة الإحرام، وإدراك الجماعة، فذلك خيرٌ له من الدنيا وما عليها، قال الله جل وعلا: (فِي بُيُوتٍ إذنَ اللَّهُ أن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ) ومن الآداب أيضاً: السماحة في البيع والشراء، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "رحم الله امرءاً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا اقتضى"، فالسماحة في بيعك وفي شرائك وفي اقتضائك أخلاق إسلامية يتحلى بها المسلم ويقوم بها.