ملاحظة : كلمة حكومة التي وردت في المقال: اقصد بها كل التيارات والأحزاب في العراق من دون استثناء .
ثاروا الجياع ، وثاروا الجياع ، ثم ثاروا الجياع ... واستمرت ثورتهم ، فمتى يثور الفكر ؟ كلما نفكر بـ "قبل " نجد ان القبل هو عبارة عن جبروت حاكم ، وشعب مستضعف ، لم نجد كلمة قبل الا عند الذين استفادوا منها قد تمثلت لهم : نورا ، اما الشعب فقبل هذا الظرف المميت المستعصي للمضي ، ظلام دامس ، مازالوا يستخرجون فيه قتلاهم وسجنائهم وسنين عجاف وجوع مطوي وبرد لايلتحف من بغطاء وحر لايمنعه سقف، ويعددون بالمفقودين ، من مضان الحرب ، والتجبر ، والاستبداد ، والاستعلاء بيد حاكم مع اقلية اختصت بحزب قومي او اشتراكي ، او ديني ايّ كانت ديانته ، فهو ثوب قصره الانحراف وخرّقه الشذوذ ، ورقعه الطغيان ...
لايمكن للـ " قبل " ان يعيد مضانه وظنونه ، بقدر ان المطبلين له ، من اربابه وعبيده ، اما الشعب ظل يسأل كي يقارن بين السيء والسيء ، لانه لم يدخل في تاريخه الممحل حاكما غير علي بن ابي طالب قبل اربعة عشر قرنا لهذا البلد ان يميط في عدله اللثام عن المتحكمين بالناس ، ويسترد ما سلب الى الشعب المقهور من دون ان ينتظر من احد ان يقدحه فيخاف ويرضيه على خوفه ، فالله تمثل بعدله بهذا الشخص وغاب بعده ليظل الـ " القبل " الوحيد الذي ليس له " بعد ".
مشكلتنا ان القبلية جاءت منفردة ، ظل الشعب العراقي على مر عصوره الذهبية – كما يسميها المستفيدون ، والمؤرخة جلودهم من نعيم على حساب شقاء الاخرين - هو عبارة عن فئة واحدة مستفيدة تدور حولها الايدلوجيات ، من دون هوادة ثورات متعددة لم تهدأ ابدا ، حتى ان من العجيب ان يعالج التاريخ بعض الثورات بالعصيان ويعالج اخرى بالثورة والدولة والبنيان ، مع ان العاصية هي التي جاءت بالفكر والانسان والحرية والبانية - كما سماها التاريخ - ماهي الا استبداد وقهر .
اليوم العراق يعيش في ثورات وعصيان وكبت وخداع وتضليل وظل الاصل مفقود بينهما مترامي بين اخذه الى جادة يمشي بها منفردا او تشتت عليه الطريق في مسعاه ، فاخذ كل جادته الى مراد يبتغيه ، ليس المبتغى في بعضهم الا مبغى اخذت فيه مواخير الفساد تدق اعناق الرذيلة سرا ، وتلبس ثوب الفضيلة ، بعد ان ينج الدرب الى نهاية ، وما اقصره من دربٍ واطوله من طريقٍ .
لم يسأل احد يوما ما جعل الحكومة تقول : ان في المظاهرات مندسين ! او تقول عن ارهابي انه مجرم وعندما تسأل الحكومة هذا المجرم : متى دخلت في تنظيم ؟ يجيب قبل اشهر او عام او عامين ! ولم نجد منظمين قبل ان تأتي الينا مسلبة الحقوق وضياعها ، ولا قبل تأسيس شريعة باردة يشرب بها الجميع تحت غطاء التكوين الوزاري او الكتلي او الاستحقاقات الفئوية - ان جاز التعبير - التي تنتمي اما لحزب قومي او اشتراكي او ديني مثل الحلقة الاولى التي تدور لتعود الى الـ " القبل " المستعصي .
من اكبر الاخطاء ، بل اعزوه الخطأ الاوحد الذي دمر العراق ، هو موت المعارضة ، لان هذا الارهابي اختار تلك المنظمة عندما وجد نفسه وحيدا لا يجد من يدافع عنه ، مع تحمسه للحق لدينه او حزبه او مشربه الذي انهل به رافد الطفولة والشباب من مصدر واحد فاختار ان يذهب ليحقق العدل تحت منظمات ارهابية يديرها (اللوبي العالمي) الذي لايعرف للانسانية دور ولا للدين مطرح او معتقد او حرمه ، فزين له طريقه، للخلاص ، او النجاة ، او اخذ حقوقه ، او المطالبة بها بقوة ، عندما لم يجد أي معارضة في البلاد – العراق - تزين له ذلك فانه عندما ينظر إلى اي تيار او حزب او مذهب او طريق او مشرب يجد ان شريكا في الحكومة ، وناقدا لها ، يسرق ويستفيد وينقد، فيشمئز منها ويعتقد ، وان اعتقاده صحيح انه لايمثله في معارضه التي لاشراكة في المباديء التي يحملها أي كانت تلك هوجاء ام صالحة في الاستقامة ، وهذا ما جعله يختار المعارض الوحيد الذي يروم اسقاط الحكومة وليس له نقطة اشتراك معها ، فكانت الاحزاب باشتراكها بالحكومة سببا في ضياعه وضياع البلد، وبهذا لم يجد اليد التي ترقى به للمعارضة التي يسأل نفسه فيها من دون تضاد او ازدواجية انه ليس مع هذه الحكومة التي فشلت !؟
لم تعالج الاحزاب ذلك حتى ظهر الشعب بعد تردي الاوضاع ، الى الشوراع ، ولم تعِ ذلك ! وفشل الشعب حين بعد حين ، ولاسيما بعد تدخل الاحزاب فتظاهروا معهم : وبعد فشلهم عرفوا وسألوا الحزب الفلاني له الوزارة الفلانية فلماذا يتظاهر معنا ؟ وهكذا اخذ التساؤل يطرح ، حتى طالب بحقوقه من دون تنظيم ، والمتظاهرات اعلنت عن اشياء ( مطالب) ليس بمعجزة الحكومة والعجب ان الحكومة عاجزة ؟ فيما اعلنته ! فالمظاهرات لازالت تقول : جياع ، الا ان الحكومة تسننت بالقبل ( البعث ) واجحفت معتقدةً ان الاستبداد الحل الامثل فقامت بالاجراءات التالية :
١- قطع النت .
٢- حبس الناشطين.
٣- التضيق على حرية التعبير .
٤- منع الصحفين وبعضهم هددوا بالطرد من الوظائف .
٥- تجنيد المستفيدين ليكتبوا عن القبل والبعد
في ذات الوقت لازالت المطالب رخيصة جدا :
١- الكهرباء
٢- الماء
٣- التعينات وفرص العمل
٤- الخدمات
٥- المدارس
٦- المستشفيات
اقول هنا رخيصة لان المواطن ليس عليه بمطالبة تلك لانها عمل الحكومة ، فاذا لم تعمل هذا فلماذا سميت حكومة ، من اجل اخذ رواتب لهم وامتيازات ، هذه المطالب كانت يجب ان تعملها اي حكومة لانه دورها الذي تقوم به ، وان اكثر الثورات هي على الحرية التي اخذت رويدا رويدا تسلب من الشعب بعدما تنفسها مع الاسف نقولها بالالم : تنفس الشعب حريته بزمن الاحتلال الاشهر الاولى من سقوط الصنم .
الان بدأت المتظاهرات تتضخم بينما الحكومة لازالت تحكي رواية البؤس : المؤامرة ، ولا اعلم كيف يفكر عاقل بها على ان العراق لم يبنِ اي محطة كهربائية خلال ١٥ سنة ، واي مؤامرة بدأت بكريم وحيد الذي سرق المليارات الى الفهداوي من دون حل ازمة كهرباء ،ولو اعطت الاموال لمشغل امبيرات لايقرأ ولايكتب ( مولد ديزل ) لحلها ، بينما ترأسها اصحاب شهادات عليا- كالشهرستاني دكتوراه في الطاقة- تعلموا منها السرقة لا الشرف والا البناء .
رواية البؤس : المؤامرة ، تحكيها لنا الحكومة العراقية ان تركيا وايران وال سعود في الجزيرة العربية ، تبنوا المظاهرات وان هناك من البعثين والدواعش سوف يندسوا بها، ويظهر ذلك ان الحكومة قطعت عليهم الطريق بقطع الانترنيت ، وزج الناشطين بالسجن ، كان في نظرها عملا صالحا ، لان الحكومة لم تجد احد من المتظاهرين ينتمي لها كما في المظاهرات السابقة ! ولو ننزل الى تفكير الحكومة السطحي جدلا : ونؤمن بإن رواية البؤس : المؤامرة هي حقيقية ، فنقول هل هذه المؤامرة بنت اليوم ام بنت ١٥ سنة ، اذا كانت بنت اليوم فاين عمل ١٥ سنة ، واذا كانت بنت ١٥ سنة فلماذا لم تواجه الحكومة رواية البؤس : المؤامرة ، وقطعت عليهم الطريق بالبناء والجد ، فالمواطن خرج من اجل الكهرباء والصحة والتعليم وشربة ماء ، وما اسهل ذلك والين عريكة ! وبتوفرها لم تجد دول التآمر شيء ليخرج الناس الناس من اجله الا الحرية وهي مسلوبة عند دول المؤمرات وفاقد الشيء لايعطيه .
اذا الحكومة عاجزة ولاتزال عاجزة لانها لم تخلق كتلة معارضة تطالب الناس وتنطوي تحت رايتها ،كما ان المتظاهرين عاجزون لانهم ليس لديهم حزبا سياسيا يقودهم للنصر ، ولو كان هناك حزبا معارضا لكانت نتيجة هؤلاء ( الحكومة ) الى الزوال ، ولا يكونوا الا جيفا تضاف الى جيف من قبلهم من حكومات مستبدة يحاول مستفيدوها ان يضعوا عليها قارورة عطر فلا يزداد الا رائحة تشمئز منها حتى الضباع .
سنتظر ثورة فكر ، لا ثورة جياع ، وأراها في الطريق من عمق البصرة ، ومن اشعاع الدم المسيل الذي دافع عن العراق من دون ثمن ، بكلمة ، رووا ارضه ، وستكون بكلمة تزيل كل الجيف الى الابد ، لا تعزلها الحكومات بانظمتها لان الذي حرر البلد ابناءه والذين يحرروه ابناءه ، فلا قانون لرفحاء ، وابن الشهيد الذي حرر العراق من دنس داعش مشرد بلا قانون ، قسمة ضيزى ، ستنتهي عندما يعلم ان القانون ليس للهاربين ، بل للثابتين قدما ، هم المنتصرون . وكانت البصرة سباقة في المظاهرات الأولى وسباقة في انها او من تظاهرت بسلمية وأول من روت ارضها بدم شهيد المتظاهرة...