حزب الاتحاد اللبناني يشارك في الندوة بعنوان ” فلسطين والقدس حياة الأمة ”
شارك المكتب النقابي في حزب الاتحاد عبر الأخ المهندس علي صالحة في الندوة التي أقامتها وحدة النقابات والعمال في حزب الله والتي عقدت تحت عنوان "فلسطين والقدس حياة الأمة" حيث ألقى الأخ علي صالحة الكلمة التالية:
نجتمع اليوم في مناسبة عزيزة على قلوبنا جميعا، هي من أطهر المناسبات وأقدسها، إنها مناسبة النصر الكبير، في شهر اعتدنا فيه على المفاصل التي تغير من تاريخ هذا الشرق، وتعيد تصويب البوصلة، بدءا من ثورة 23 تموز / يوليو المجيدة، وصولا إلى انتصار المقاومة في تموز – آب 2006،
يأتي لقاؤنا اليوم، بعد جملة أحداث تبين الوجه الحقيقي للمستعمر الأميركي وربيبته الصهيونية "إسرائيل"، عبر حدثين هامين: الأول قضى بنقل السفارة الأميركية إلى القدس واعتبارها عاصمة موحدة للكيان الصهيوني، والثاني عبر قانون يهودية الدولة الصهيونية الذي أقره الكنيست الصهيوني، وهما، –أي القرارين- ليسا مستغربين في هذا التوقيت، وبعد الخط البياني المنحني والمنحدر للأمتين العربية والإسلامية، نتيجة صراعات داخلية وإقليمية طائفية ومذهبية وعرقية، لم يسبق لها مثيل في تاريخ المنطقة، حيث أحس الصهيوني ومن خلفه الأميركي، أن الأرض أصبحت خصبة من أجل بذر بذور دولتهم المزعومة وترسيخها، وتمرير اتفاقات وصفقات قرن، تأتي بعد أن استنفذت اتفاقية سايكس بيكو واستهلكت، فكان البحث عن بديل يضمن التفوق للكيان في ظل تفتيت المفتت وتجزئة المجزأ، وتوطيد وجود الكيان الصهيوني في أطهر أرض عربية، بينما الشعب العربي منشغل بالصراعات المفتعلة، فأصبحت قضية القدس أقل من أن تلهب حماسه لصالح التهييج المذهبي والطائفي والعرقي، وبات العدو مقبولا والأخ الفلسطيني وحده في مواجهة آلة القتل الصهيونية، معتمدا على طائراته الورقية في مواجهة بطش الصهيونية، وفي مواجهة أكبر عملية تزوير في التاريخ، من أجل تغيير معالم القدس، وطرد أهلها منها، وتوطين المستوطنين مكانهم، حيث نسي العرب والمسلمين قول الله تعالى: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" ونسوا أن أقصانا هو أولى القبلتين وأن التفريط به يعني التفريط بأول قبلة للمسلمين وهو السبيل للتفريط بثانيها.
إن قضية فلسطين والقدس، إضافة لكونها خنجر مغروس في قلب الوطن العربي يفصل مشرقه عن مغربه، ويمنع الوحدة والتواصل، فهي قضية إسلامية، وهي جزء من دين الأمة وعقيدتها إسلاميا ومسيحيا، فهي قضية كل مسلم، وقضية كل مسيحي، وهي كانت عبر التاريخ هدفا للاستعمار بكافة أشكاله، ولكنه سرعان ما كان يخرج منها مذموما مدحورا ليعود إحقاق الحق.
وحديثنا عن القدس ينبغي أن لا ينسينا بقية فلسطين من البحر إلى النهر، وليس الضفة وغزة فقط، وليس في حدود الرابع من حزيران من العام 1967، وبناء عليه، وكما أثبتت الوقائع، فالمقاومة هي السبيل لاستعادة فلسطين، والتضامن العربي هو السبيل لحفظ هذه المقاومة وصونها، كي يفهم العدو أن قضية فلسطين ليست قابلة للتفاوض، وأنه ليس من حق أي أحد أن يتنازل عن شبر واحد منها، وعندها فقط، يدرك العدو أن بقاءه فيها هو مسألة وقت قبل أن تصله الطائرات الورقية، فتقض مضاجعه وتشعل الأرض غضبا ونارا من تحت أقدامه، وكي يعلم العالم بأسره أن حقوق الشعوب لا تسقط بمرور الزمن، وأن الاحتلال مهما طال فهو إلى زوال وهو لا يعطي شرعية لمحتل.
أيها الإخوة، لقد آن لكل عربي أن يتحمل مسؤولياته وأن يدخل في كل حساب أو يسقط من كل حساب، وأن يعي أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، كلمة قالها قائد عظيم لطالما نفتقده في زماننا هذا، وإن كنا نعيش في أجواء ثورته المباركة، وهو القائل بأن المقاومة الفلسطينية وجدت لتبقى وتنتصر ولسوف تبقى وتنتصر، فهي وحدها القادرة على الترجمة إلى اللغة الوحيدة التي يفهمها العدو، عنيت بها لغة القوة.
لقد أثبتت الأيام أن الشعب العربي الفلسطيني هو شعب حي، قادر على ابتكار أساليب المقاومة التي توجع العدو وتكبله، وتجعله عاجزا، رغم آلة البطش التي يمتلكها، وأثبتت أنه شعب مضح يقدم الغالي والنفيس في سبيل تحرير الأرض، غير آبه بصفقات القرن التي تعقد، وهو مصمم على إبطال مفاعيلها نتيجة مقاومته الباسلة.
إن الصراع الذي نخوضه اليوم في فلسطين هو صراع الحق ضد الباطل، وهو صراع لن يفقد بوصلته في مقاربة العدو من الصديق، مهما حاول العدو أن يتزين بثوب الصديق، ومهما حاول الغرب أن يشيطن الصديق ويشيطن مقاومته، وهو صراع لا بد أن يحسم أخيرا وفق المنطق ووفق الوعد الرباني، بالرغم من طول مدة اشتعاله، ولكن مهما طال الليل لا بد أن يبزغ الفجر.
إن حرب العام 2006 التي نعيش ذكراها اليوم، كانت حربا أميركية بامتياز، بالقرار وبالسلاح والتخطيط، وإن الصمود الأسطوري للمقاومة والخسائر الكبيرة للعدو الصهيوني هما من أوقفا الحرب وليس قرار مجلس الأمن، فكما هو معلوم كان هدف الحرب سحق المقاومة وإنتاج شرق أوسط جديد، ولكن هذا الهدف تحول لاحقا إلى حفظ هيبة الكيان ولملمة ما تبقى من ماء وجهه، بعد أن كان يظن الحرب نزهة في لبنان، فكان الشرق الأوسط الجديد وفق ما رسمته قوة المقاومة وليس وفق إرادة غونداليزا رايس.
إن هذا الانتصار الكبير أوجد معادلة يصح لها أن تدرس في الكليات العسكرية، هي معادلة الشعب والجيش والمقاومة التي تم تكريسها في دستور البلاد، وهذه المعادلة ستبقى دائما وأبدا الدرع الحامي للبنان.
إن الدور المطلوب منا جميعا اليوم هو إعادة إحياء الهمم، واستنهاض العزائم، ولم شمل الشرفاء من أبناء الأمة، وتوحيد جهودهم نصرة لفلسطين، ونصرة للقدس، وتذكير الأمة بمعركتها الأساس وقضيتها المركزية الأولى، التي يجب أن تكون هي المحرك الأساس والدافع لكل تحرك عربي يسعى لنهضة الأمة وتحررها. على أن أولى الأولويات المطلوبة هي الحفاظ على الوحدة الوطنية الفلسطينية، وعدم السماح للعدو الصهيوني باختراق الساحة الفلسطينية من أي ثغرة مهما كانت صغيرة من أجل شق الصف الفلسطيني، وهذا الأمر وحده كفيل بهزيمة معنوية للعدو.
الواجب المطلوب منا جميعا هو الحفاظ على دور القدس في توحيد الأمة، بعيدا عن الصراعات المذهبية أو الطائفية أو العرقية، لتظل القدس هي المحرك الدائم لهذه الأمة المتراخية، ولتظل القدس خط الدفاع الأخير عن الأمة، والتي إن سقطت سقط معها ما تبقى من شرف عربي.
علينا ألا نضيع البوصلة، ولتكن بوصلتنا دوما فلسطين والقدس، لأن عدو الأمة الأوحد هو إسرائيل، ومن يقف معها ومن يدعمها على حساب عزتنا وكرامتنا واستقلالنا، ولنتذكر في صراعنا مع العدو مقولة رئيس وزراء الكيان الصهيوني إسحاق شامير أمام الكنيست الإسرائيلي، في خطاب توجه به إلى الإسرائيليين، لقد أمنا لكم أشكال التفوق كافة، العلمي والعسكري والنووي، وكل الأسحلة المتطورة، ولكن هناك سلاح واحد لا نقدر على امتلاكه، وهذا السلاح هو أننا شعب يعشق الحياة في مواجهة شعب يعشق الشهادة".
ونختم في عجالة للقائد المعلم جمال عبد الناصر نجدها تنطبق على واقعنا اليوم حيث قال:
إن فهم جماهيرنا لتطورات الحوادث ودلالاتها لم يكن مطلوبا بأكثر مما هو مطلوب اليوم، واستعداد جماهيرنا لتقديم كل ما لديها فى صراع المصير الدائر لم يكن مطلوباً بأكثر مما هو مطلوب اليوم، وإيمان جماهيرنا بإمكانية النصر وبحتمية النصر لم يكن مطلوباً بأكثر مما هو مطلوب اليوم.