"ممكن نتعرف؟"، "صورتك جميلة"، "فاعل خير أريد التواصل معك".. بمثل هذه الكلمات المقتضبة يقع الكثير من الضحايا لابتزاز جنسى أو مادى، عبر الإنترنت، وهى الجريمة التى انتشرت فى الفترة الأخيرة، خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" و"تويتر" و"واتس آب"، فى ظل التطور التكنولوجى الرهيب الذى يشهده العالم من حولنا.
وتختلف أشكال هذا الابتزاز وأساليبه باختلاف الضحايا، فهناك من يبتز الرجال بعد تصويرهم فى أوضاع مخلة والحصول منهم على مبالغ طائلة، أو ابتزاز الفتيات بعد خداعهم وإجبارهم على تصوير أماكن حساسة فى أجسادهن بحيل مختلفة مثل العلاج أو فك الأعمال وما إلى ذلك، ومن ثم ابتزازهن للحصول منهن على الأموال، وربما ابتزاز من نوع آخر أشبه بالنصب باسم العمل الخيرى.
آخر وقائع الابتزاز الجنسى الإلكترونى، كانت فى حلوان، حيث كونت ربة منزل تشكيلاً عصابيًا، بالاشتراك مع زوجها وآخر وفتاتين، لاستقطاب الرجال بحساب وهمى عبر فيس بوك، بزعم ممارسة الرزيلة، وفور وصول الضحية يتم تصويره عاريًا فى أوضاع مخلة وإجباره على ارتداء قميص نوم والتوقيع على 6 إيصالات أمانة ومن ثم ابتزازه لإعطائه الإيصالات والفيديوهات.
وتمكنت الأجهزة الأمنية فى حلوان من القبض على المتهمين؛ وهم كل من: "أ.ع" 42 سنة قهوجى، و"ب.م" 38 سنة عاطل، وزوجة الأول "ن.س" 34 سنة ربة منزل، وزوجة الثانى "ف.س" 20 سنة ربة منزل، و"ص.ف" 28 سنة ربة منزل.
واقعة أخرى شهدتها حلوان أيضًا، كان ضحيتها تاجر، حيث دفعته الرغبة فى قضاء ليلة حمراء للذهاب لمنزل فتاة كان قد تعرف عليها عبر موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك"، إلى أن اتفقا على اللقاء فى منزلها، ليفاجئ بأنه وقع ضحية لنزواته وضحية لعصابة منظمة مكونة من ربة منزل تدعى "ه.ص" 36 سنة، و"ح.م" 38 سنة و"إ.م" 24 سنة، أجبروه على خلع ملابسه وتصويره عارياً واستولوا على متعلقاته الشخصية "هاتف محمول ومبلغ 5 آلاف جنيه، وطلبوا منه مبلغ 10 آلاف جنيه مقابل عدم بث الفيديو على صفحته الشخصية.
وفى المعادى، تلقى قسم شرطة المعادى بلاغا من "م.أ" 35 سنة، عامل، بتعرضه لواقعة نصب، من خلال تعرفه على إحدى السيدات عبر "فيس بوك"، كانت ترغب فى إرسال مبالغ مالية لإنفاقها على الأعمال الخيرية ومرضى السرطان بمصر، وطلبت مساعدته فى ذلك، وعليه التواصل مع أحد الاشخاص ذوى البشرة السمراء والذى أوهمه بأن المبالغ المالية مرسلة بخزينة داخل طرد، وطالبه بدفع مبلغ 30 ألف جنيه نظير إجراءات الإفراج الجمركى، وعقب تسليمه المبلغ واستلم منه الخزينة، وتبين أنها تحوى على مجموعة من الأوراق البيضاء فحضر للإبلاغ.
وبإجراء التحريات، وجمع المعلومات تبين صحة الواقعة، ومن خلال الاستعانة بالتقنيات الحديثة، تبين أن وراء ارتكابها "نيجورا.ف" 28 سنة، عاطل" يحمل إحدى الجنسيات الإفريقية"، وبإعداد الأكمنة اللازمة بأماكن تردده أمكن ضبطه.
وبمواجهته بالتحريات والمعلومات، وما جاء بأقوال المبلغ أعترف بارتكاب الواقعة بالاشتراك مع صديق له يدعى "نونادرى" يحمل إحدى الجنسيات الإفريقية ومقيم المنشية/الإسكندرية، جارى تحديده وضبطه، حيث قام الأخير بإيهام المجنى عليه بأنه سيدة إيطالية الجنسية، واقتصر دور المتهم المضبوط على استلام المبلغ المالى المستولى عليه وتسليمه الخزينة.
ويؤكد الدكتور جمال مختار، خبير نظم وتكنولوجيا المعلومات، أن وسائل وطرق الابتزاز والنصب الإلكترونى تعددت وتتطور بشكل دورى مع التطور الرهيب فى تكنولوجيا المعلومات، لذلك يجب أن تسعى الدولة لمحو الأمية الإلكترونية بكل الطرق مثلاً من خلال المؤتمرات والندوات الإعلامية والبرامج التليفزيونية للتوعية.
وأضاف مختار،، أن من أبرز عمليات الابتزاز الالكترونى المنتشرة هذه الأيام، هو ما يعرف بـ"5 آلاف دولار"، حيث تسعى سيدة للتعرف على أحد الشخصيات المعروفة عبر مواقع التواصل الاجتماعى، وبعد تطور العلاقة بينهما تتحدث معه فيديو شات وبالفعل يراها أمامه أنثى فيطمئن أكثر ويظن بذلك أنها تحبه كما تزعم هى، ثم تتطور أكثر المحادثات فيما بينهما للتحدث عن الجنس وما إلى ذلك حتى تسجل له مقاطع فيديو وصور وهو بدون ملابس مثلا، ثم تدخل على قائمة الأصدقاء لديه وتضيفهم وتبدأ من هنا عملية الابتزاز والتهديد بفضح أمره إذا لم يرسل لها مبلغ 5 آلاف دولار عن طريق إحدى شركات الشحن، وللأسف وقع فى هذه الخديعة أشخاص كثر أعرف بعضهم شخصيًا".
وتابع مختار: "أسوأ من ذلك أنه يطلب منك الهاكر أو الشخص الذى يريد خداعك، مبلغ دولار واحد فقط وترسل له دولار فقط على أن ترسل له رقمك القومى واسمه الرباعى وهذه مصيبة كبرى، لأنه بعد ذلك سيستغل هذه المعلومات للقرصنة على حساباتك البنكية وما إلى ذلك".
ويضع الخبير المعلوماتى عدة نصائح للتعامل عبر الإنترنت من بينها: "عدم فعل أى شىء مخل أو غير أخلاقى عبر الفيديو شات، وعدم دفع أى مبلغ مهما كان ولو كان نصف دولار لأنه فى هذه الحالة سيتم معرفة بياناتك، تجنب تحويل أى معاملات مادية أو معلوماتية باسمك الرباعى أو العنوان أو الرقم القومى إلا إذا كان الشخص أو الجهة التى تتعامل معها تعرفها معرفة شخصية، كما يجب عدم وضع سنة الميلاد على الصفحات الشخصية فى "فيس بوك"، وفيما يتعلق بالشخصيات الاعتبارية والمسئولين فى الدولة لا يجب أن يضعوا تفاصيل عن جهة عملهم أو صور لهم بالزى الرسمى".
فيما يؤكد اللواء محمود الرشيدى، مساعد أول وزير الداخلية للمعلومات سابقًا، أن الابتزاز الالكترونى أحد مظاهر الجريمة المعلوماتية، تلك الجريمة المستحدثة والمواكبة لثورة تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات والناجمة عن الاستخدام المتزايد للتكنولوجيا فى تيسير كافة احتياجاتنا، وإزاء هذا الاعتماد على التكنولوجيا أصبح أى تهديد أو خطر يصيب هذه التقنيات الحديثة يمكن أن يهدد حياتنا بالشلل التام، لأنها أصبحت لا غنى عنها فى تحقيق التنمية المستدامة وأمن واستقرار الوطن، إلا أنه مع ذلك ظهر ما يعرف بالجريمة التكنولوجية والتى يقصد بالجريمة الالكترونية أى استغلال غير مشروع وغير آمن للتكنولوجيا، فى الإضرار بالغير أو تحقيق منفعة غير مستحقة.
وأضاف الرشيدى، أن هذه الجريمة تطورت فى الآونة الأخيرة لتشمل كافة الجرائم التى كانت ترتكب قبل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مثل السرقة والدعارة، إضافة إلى الابتزاز المادى والأدبى والجنسى والاجتماعى، ويطلق على مرتكبى هذه النوعية من الجرائم لقب "المجرمين ذوى الياقات البيضاء"، لأنهم يكونوا على قدر من التعليم والحرفية فى التعامل مع التكنولوجيا.
وتابع الرشيدى: "يمكن القول أن الجريمة الالكترونية أو الابتزاز الالكترونى يتم عن طريقين الأولى وهى طمع وجهل المجنى عليه لأنه يصدق أكاذيب معينة مثل حصوله على مكاسب دون أى مقابل، وجهله بالاستخدام الآمن للتكنولوجيا، والطريقة الثانية هى كفاءة ومهارة المجرم التكنولوجى الذى يستخدم أساليب حديثة ومبتكرة".
وفيما يتعلق بقانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، أكد الرشيدى، أنه قبل صدور هذا القانون كانت هناك عدة قوانين تنظم استخدام التكنولوجيا الحديثة مثل قانون الاتصالات وقانون حماية حقوق الملكية الفكرية وقانون العقوبات العام وقانون التوقيع الالكترونى وغيرها، لكن القانون الجديد يتميز بأنه يجمع كل هذه القوانين فى قانون واحد ويعطى حجية قانونية لدليل الإثبات الإلكترونى لمرتكب هذه الجريمة لأنها كانت ثغرة يهرب من خلالها المجرمين من العقوبة، كما أن القانون الجديد وضع ما ضوابط على مقدمى خدمات الانترنت فى مصر.
ويؤكد مساعد أول وزير الداخلية للمعلومات سابقًا، أن مسئولية الوقاية من الجرائم الإلكترونية، تقع أولا على الدولة من خلال تفعيل القوانين وأن تتعاون كل الأجهزة والمؤسسات فى الدولة لعمل توعية مجتمعية للمستخدمين لأنها خط الدفاع الأول، كما يقع على الأسرة دور هام جدًا فى التوعية والرقابة على أبنائها من مستخدمى التكنولوجيا.
وتابع: "وبشكل عام يجب ألا نثق فى أى معلومة إلا إذا كانت صادرة من الجهات المعنية بها، وعدم التعامل مع المواقع الإرهابية والمتطرفة والإباحية لأن بها أساليب كثيرة للحصول على معلومات هامة عنك ومن ثم ابتزازك، كما يجب عدم الاحتفاظ بأى معلومات أو صور خاصة بك على هاتفك الشخصى إذا كان متصلا بالإنترنت وعدم وفتح أى رسائل مجهولة، وأخيرا كل من يقع ضحية لجريمة نصب أو ابتزاز إلكترونى يبلغ فورًا إدارة مباحث الإنترنت"