النظام الديمقراطي يحمل صورة جميلة في عالم القباحة، اما في عالم الجمال فلا نعلم عنه شيئا. لو فرضنا انه جميل أيضا في عالم الجمال اعتمادا على رؤية الاعمى. فنقول: هل هذا النظام يناسب كل المجتمعات البشرية؟. ان تجربة العراق الديمقراطية اثبتت ان النظام الديمقراطي لا يخلو من امرين: اما انه لا يناسب كل المجتمعات. او انه نظام ناقص وقاصر على ان ينظم حياة المجتمع بالتنظيم الكامل. حاولت الدول الخارجية ان تفرض نظاماً ديمقراطياً في العراق؛ لأنه حسب رؤيتهم النظام الأفضل لتحقيق مصالحهم في هذه البقعة. ومن اهم فقرات هذا النظام هو عملية الانتخاب البرلماني والتي من خلالها يبرز الفرد الأنسب لتسنم زمام قيادة المجتمع اعتماداً على رأي الشعب.
تماشى العراقيون مع نظام الانتخاب والذي طبقوه على حسب ما يريدون وعلى حسب ما يحملون من ثوابت اغلبها مخالفة ومضادة لهذا النظام وكان للجهل– جزاه الله خيرا -دورا إيجابياً في دفع الناس نحو هذه العملية. لكن المشكلة التي واجهتها الديمقراطية هي ان الدكتاتورية التي كانت تحسبها نظاماً موازياً لها، تبينَ لها انه ليس نظاماً ؛ وانما هي ملكيات نفسية لا تخضع لأي نظام. فالقادة العراقيون ينظرون الى الديمقراطية فرحين بعيون دكتاتورية، وعليه كانت نظرتهم لست الى ما تحققه الديمقراطية من نتائج! بل الى ثغراتها التي يستطيعون ان يمرروا من خلالها ارادتهم الدكتاتورية.
فوجدوا الكثير من الأبواب التي يستطيعون من خلالها تحقيق ما تُمليه عليهم عقولهم الدكتاتورية، فبدأوا بالخطوة الأولى وهي الترويج ونشر الصور بالحجم والشكل والموقع والعبارة التي تغذي النظرة الدكتاتورية لديهم، وطبعا هذا فعل مشروع والديمقراطية المسكينة تكفلت لهم هذا الحق. ثم وجد العقل الدكتاتوري ان هذا لا يكفي فبدأ بأول خطوات سلب الإرادة وذلك عن طريق الترغيب والتوهيم والوعود والاقسام المغلظة وتطميع الشعب المسكين الجاني على نفسه بما لا يمكن تطبيقه بأي صورة من الصور. ثم وجد العقل الدكتاتوري ان هذا لا يكفي، فانتقل الى الخطوة الأكبر وتقدم قدماً كبيرة في سلب الإرادة، فبدأت عملية شراء الأصوات، وأخذ كل قائدٍ يقدم سعره لقيمة صوت المواطن، حتى بلغ سعر الصوت 200 دولار، والديمقراطية مستغربة مما يحصل. ثم لم يقنع العقل الدكتاتوري بهذه النتيجة، فانتقل الى خطوة أكبر وبدأ بتزوير الانتخابات وتفنن في ذلك حيث لم يبقى من الوقت الا القليل، وتحول التزوير من سري كما يفعل اللصوص الى علني وأمام كاميرات التصوير، والديمقراطية تتساءل باستغراب هل هذا من ضمن برامجي؟ انا لا اتذكره!!.
كل تلك الخطوات التي جردت الديمقراطية من كل ملابسها ونقول لا بأس؛ الشعب جديد على هذا النظام ولا بد من حصول خروقات، وكثير من الانتخابات في اغلب الدول يحصل بها ذلك، وسنتخذها علاجات إسكاتية من قبيل الفرز اليدوي والتضحية ببعض الدوائر الصغيرة وغيرها من الحجج التي اسمعتها لحمار جارنا فلم تطرف له عين!.
وصلوا الى اعلان النتائج، فازت كتلة سائرون وفرحت الناس وتبينت نتائج القوائم الأخرى، المفروض هنا انتهت العملية الديمقراطية العراقية، والكل يرضى بالنتائج لان الكل بذل جهده وأعطى كل ما يقدر عليه بالحق أو الباطل، وعلى الكتلة الفائزة ان تتحالف مع بعض الكتل وتشكل الحكومة. ولكن تبين ان الانتخابات لم تنتهي بعد! وان هناك رمق في الديمقراطية وعلى العقل الدكتاتوري ان يستغله.
فبدأ العقل الدكتاتوري يوحي لأوليائه؛ لماذا فلان يفوز وانا لا افوز؟ وقالت الدول المؤسِسة للديمقراطية ان هذه النتائج لا تنفعنا، وأوضحت الصحف الامريكية ان صعود الصدر ليس بصالح أمريكا ولا إيران، وعليه فإن الشعب لا يجيد اختيار ممثليه المناسبين، فهو شعب سفيه، حينئذ يجب ان نحجر على السفيه ويتصرف بأمواله الحاكم الشرعي او الوصي. وعلى أساس ذلك نقرر نحن من يناسب الشعب، وعليه يجب ان يكون الفائز خاسراً والخاسر فائزاً، وسائرون امام خيارين:
اما ان يقبلوا بما نريد او يعزلوا، والطرق لذلك كثيرة ويسيرة. فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه وياله من دلوٍ كبير! حيث لم يخرج غلاماً واحداً بل اخرج كل من كان في البئر، وجاء يفرض وليس يفاوض، فاتحد الأعداء فيما بينهم على هدف واحد، وهو ليس لسائرون مهما ساروا ولو تقطعت انفاسهم من السير، ليس لهم ان يتحكموا بالقرار العراقي، لأنهم لا يأوون الى ركن وثيق! .
والنتيجة ماذا.... مهما بلغ مَن بلغ من الأصوات والمقاعد والقواعد ولو كانت مئة بالمئة فهذا لا يعني ان ستكون له يد في تشكيل الحكومة. وهنا اكتشفنا ان الأصوات عبارة عن أصوات! وليس للشعب ان يريد او لا يريد، فمن يكون الشعب حتى يقرر مصيره؟!!!. فحزمت الديمقراطية حقائبها وطلبت اللجوء الإنساني، وللأسف لم يقبل لجوئها الا وادي السلام.