كانت مْباليا ناشطةً سياسيَّة اجتماعيَّة، وزعيمة الجناح النِّسويِّ لحركة النِّضال من أجل الاستقلال بإفريقيا الغربيَّة. انتهى بها الحال لأنْ تُغتال بسيف فرنسا، على يد واحدٍ من بني جلدتها، من أذناب الإمبرياليَّة، بدمٍ باردٍ.. ويا إلهي.. وهي في دارها.. في الأيَّام الأخيرة من حَمْلها!
وُلدت مْباليا بقرية Posseah عام (1929م)، وكان زوجها من المجنَّدين القدامى في الجيش الفرنسيِّ الذي كان يُجنَّد فيه الأفارقة إجباريًّاِ، خلال الحرب العالميَّة الثَّانية.
ولأجل مواقف مْباليا وزوجها من الاستعمار، فإنَّها كانت على خلافٍ مباشرٍ مع الحاكم المحليِّ ألْمامي دافيدْ سيلا، الذي نصَّبته فرنسا على منطقة توندونْ Tondon غربي غينيا الحاليَّة، حيث كانت قرية مْباليا.
بتاريخ 8 فبراير 1955م، وكانت فترةً مشحونةً بالحراك النِّضاليِّ من أجل الاستقلال، جاء دافيدْ سيلا إلى قرية Bembaya حيث كانت مْباليا تقيم مع زوجها. جاء لجمع الضَّرائب، وكان رجلاً مبغضًا لدى جميع الأهالي؛ لكونه ممثِّلاً للسُّلطة الاستعماريَّة الظَّالمة.
وقعت مناوشاتٌ بين أهل القرية وبين سيلا؛ لأنَّهم رفضوا أن يدفعوا الضَّرائب مرَّةً ثانيةً بعد أن أدَّوها مباشرةً للحاكم الفرنسي. عاد سيلا أدراجَهُ مع رجاله الجنود.
في اليوم التَّالي، عاد إلى القرية مع كتيبةٍ، في حملة تأديبيَّة، واتَّجه مباشرةً لدار تشرنو كمارا، زوج مْباليا.. اقتحم الدَّار، ووجد المرأة وسط الدَّار، فهجم عليها بالسَّيف، وبضربةٍ، جرح بطنها جرحًا مبرَّحًا...
في وسط الألم، وضعتْ مْباليا 11 فبراير؛ لكنَّ الطِّفلة ما برحت أن ماتت، ولحقت بها مْباليا يوم الجمعة 18 فبراير 1955م. كان اغتيالُ مْباليا الشَّرارة التي قدحت الثَّورات بغينيا، وعجَّلت بفرنسا إلى الرُّضوخ لمطالب الاستقلال.. كانت مناسبةُ وفاتها عطلةً رسميَّة بغينيا (لعلَّها لا تزال).. وتحمل سوقٌ شعبيّة بكوناكري العاصمة اسمها... وكفى!
ستقرأ هذه الكلمات.. وإنْ شئتَ فاغمضْ عينيك، واقطَعْ إفريقيا من المحيط إلى المحيط: عاصمةً عاصمة، قرية قرية، شارعًا شارعًا... فإنَّك -أضمن لك- ستصطدمُ بكلِّ شيءٍ، ولكنْ ليس بتمثال، أو بشبه تمثال لهذه المرأة المناضلة، رمز الصُّمود والنِّضال ضدَّ الظُّلم والإمبرياليَّة الأوربيَّة في إفريقيا (ليس غينيا فحسب).
ستقرأ هذه الكلمات.. وإنْ شئتَ، فاقرأ مقرَّراتنا التَّعليميَّة حرفًا حرفًا.. تابعْ وسائلنا الإعلاميَّة: المسموعة والمرئيَّة، وحتَّى الصُّحف غير المقروءة لرداءة طباعتها، فلن تجد فيها حرفًا يمكن تفسيرها على أنَّها تشير إلى اسم مْباليا. لكنْ، إنْ كنتَ قد صبَرتَ على القراءة حتى هذا السَّطر، فأنت -وإيَّاي- إن شاء الله، لعلى الطَّريق الصَّحيح، نحو الوعي بحال إفريقيا.