صدر مؤخرًا كتاب "شريط أسود"، للكاتب والباحث السعودي، محمد العصيمي، والذي حمل في طياته الحديث عن أهم وأخطر القضايا العربية والإقليمية والدولية، وخصص فصلًا كاملًا عن الدولة المصرية والرئيس عبدالفتاح السيسي، والسقوط المدوي لتنظيم الإخوان عربيًا ودوليًا، بفضل انحياز الجيش المصري، وقائده العام آنذاك، الفريق أول عبدالفتاح السيسي، لتخرج إلى النور ثورة 30 يونيو التي قضت وأنهت على حلم الخلافة الإخوانية وإسقاط الدول العربية واحدة تلو الأخرى.
واستعرض الكتاب الذي جاء في 280 صفحة، من القطع المتوسطة، والصادر عن الدار العربية للعلوم "ناشرون"، رسائل السيسي للعرب في خطاب 6 أكتوبر الأخير، مستهلًا حديثه بـ"رسالة مصرية من هذا النوع تعني أن خيارات البقاء بغير التنسيق والتعاون العربي، أصبحت معدومة، وأن على العرب أن يفهموا بأنه من غير تضامنهم وتوحد مصالحهم سيؤكلون فرادى"، وشدد على أنه أينما وضع العرب في هذه الأيام بوصلتهم فإن القبلة السياسية هي مصر التي يتنازعها طرفان: طرف أكبر يمثل الأمة المصرية التي تنشد الاعتناق من أزمات سياسية واقتصادية حادة، وطرف أصغر يمثل جماعة الإخوان، التي تريد أن تجر هذه الأمة إلى القاع لتوهن عزائمها. وما بين الأمة والجماعة فيمصر يقع العرب أجمعين وهم يرون أمامهم فرصة، تبدو أنها الأخيرة، ليخرجوا من حالة الانقسام والتشرذم، ويجتمعوا على تحقيق مصالح دولهم العليا ومصالح شعوبهم التي أنهكتها، لعقود طويلة، عوامل التخلف السياسي والاقتصادي.
رسائل السيسي للأمة العربية
وفقًا لما أكده، محمد العصيمي،في الكتاب،فأن الرئيس السيسي،تحين احتفالات 6 أكتوبر بعد إزاحة تنظيم الإخوان والمعزول محمد مرسي، من المشهد السياسي، لإرسال ثلاث رسائل رئيسية في خطابه،للأنظمة والشعوب العربية، التي تتابع المشهد المصري عن كثب، والتي لا تخفي قلقها على المستوى العام للأمة العربية، وما يتهدد كل دولة من دولها من تربص أجندات دولية وقوميات مجاورة، لم تعد أطماعها في النفوذ والهيمنة خافية على أحد.
حيث أشار الكاتب إلى أن الرسالة الأولى، كانت تضمين كلامه بضرورة تحقيق تحالف عربي قوي،وبذل المزيد من جهود التنسيق والتعاون العربي لقطع الأيدي التي تمتد بالإساءة لمصر أو أمتها العربية،موضحًا أنه بذلك يغمز في النور للوحدة العربية التي سُفهت أحلامها من قبل على أيدي كثيرين، كان من بينهم، كما هو معروف، قادة الإسلام السياسي الذين لا يعتاشون إلا على الفرقة وتناحر الطوائف.
وأضاف العصيمي أن الرسالة الثانية كانت: هي أن جيش مصر هو جيش الأمة العربية، وهو الجيشالوحيد الباقي والقوي بعد أن تآكلت الجيوش العربية القوية نتيجة الأحداث المتوالية في المنطقة منذ العام 1990، وعلق الكاتب على تلك الكلمات بقوله: "لا أظن أن عربياً شريفاً واحداً يقبل ترك مصر وجيشها لمصيرهما، لأن هذا يعني أنه يقبل بسقوط آخر جيش عربي متماسك ليكون “ابتلاعنا” دولة بعد أخرى أسهل مما هو عليه الآن.
وتابع الكاتب والباحث السعودي أن الرسالة العربية الثالثة كانت موجهة لكبار منطقة الخليج وصغارها، أولئك الذين يقفون مع مصر والذين يقفون ضدها، وبطبيعة الحال لا يخفى على الخليجيين، كما لا يخفى على كل العرب، أن قطر هي أصغر الواقفين ضد التغيير الاضطراري في مصر الذي أسقط حكم الإخوان وأحرج من يقف وراءهم ويدعمهم، وهي بذلك تشذّ عن قاعدة شقيقاتها في مجلس التعاون الخليجي، بل وتشذ عن قاعدة التجمع العربي المأمول لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من البقاء العربي،السياسي والعسكري.
وأستطرد العصيمي أنه في المحصلة فإن مثل هذه الرسالة تضع قطر في وضع عربي حرج جداً وربما، أيضاً، تقذف بها إلى ارتكاب مزيد من الأخطاء السياسية. وبالتالي فإن على القطريين أن يسرعوا باستخدام خط الرجعة العربي، الذي يقال إنها فقدته الآن، لكنني على المستوى الشخصي أصرُّ، من بين ما أصرُّ عليه،على أن نستخدم كل الإمكانيات، بما في ذلك إمكانية التسامح، لتجتمع الإرادة العربية من جديد، وننقذ ما يمكن إنقاذه من الوجود العربي المهدد.
إمام الفتنة الأكبر
وندد العصيمي في كتابه بالدور الذي لعبه يوسف القرضاوي، عراب التنظيم وملهمه في الوقت الحالي، والذي لقبه بـ "إمام الفتنة الأكبر"، قائلًا:حين نتدبّر في فتاوى القرضاوي ومواقفه فلن نستكثر منه، وهو من مؤسسي مدرسة الأممية الوهمية، هذا السيل العارم من التضليل وأدلجة الخطاب الديني لصالح جماعته".
وتابع: يخطئ الخليجيون خطأً جسيماً حين يسبق اهتمامُهم بصغار وهوامش الإخوان في دولهم الاهتمامَ بمن يحركون آلة الإرهاب الإخوانية التي تسفك الدماء وتنزع الأرواح وتدك كل المكتسبات الوطنية العربية في هذا الزمن الطافح بأجندات الإسلام السياسي، التي تتوغل لحساب مصالح أجنبية توظفها فيهذا البلد العربي أو ذاك.
إرهاب الإخوان، وإرهاب الإسلام السياسي بشكل عام، له مراجع فكرية تاريخية عتيدة، وتتوفر له أرصدة مالية ضخمة، يديرها،من بين من يديرونها، يوسف القرضاوي، الذي يسكن في قطر، ويغرف من بحور ثروتها الطائلة ليغدق على الجحيم الذي يَصْلى أمة العرب، فيما يسميها لبعض “ربيعها” ويسميه آخرون، وأنا منهم، “خريفها”.
واستفاض العصيمي: القرضاوي، أكثر من غيره، هو القادر من عرشه في قطر على مواصلة التأليب والتحريض على بلده مصر وعلى جيشها، الجيش العربي الصامد الوحيد،وعلى أهلها الذين يفتنهم كل يوم بفتاواه المرسلة على هواه وهوى من وظفوه ليلعب بالنار والدم في بيوتهم، بل ويلوّح بتلك النار أمام بيوت منطقة الخليج، التي باتت تضيق به وبارتكابات البغي والعدوان في خطابه المنبري والإعلامي بشكل عام.
وتابع الكاتب: هذا القرضاوي، من باب التذكير لمن نسي أو تناسى، هو نفسه الذي أفتى للمسلمين الأميركان بالقتال في أفغانستان. وهو نفسه الذي لم يتردد لحظة واحدة في حياته عن دعوة القوات الأجنبية للتدخل العسكري في بلدان العرب والمسلمين، بل كان يلوم بعض الدول التي تتباطأ عن هذا التدخل. وهو نفسه الذي يفرق الأمة الإسلامية على هواه، ويمزقها شيعا وطوائف يضر ببعضها رقاب بعض، وهو نفسه الذي يُخرج من جراب الحاوي ما شاء من السحر ليضلّل الناس، أليس هو من أصدر تلك الفتوى التي حرّم فيها الثورة ضد حكم الإخوان والخروج على الحاكم الشرعي محمد مرسي؟.
السقوط الدولي لتنظيم الإخوان
استعرض الكاتب سقوط تنظيم الإخوان دوليًا، بعدما افتضح أمرها ومخططاتها عربيًا، وأدرجت على قوائم الإرهاب في عدد من البلدان والدول العربية، بعد أن سقط القناع عن وجهها الزائف في مصر، وقال: الدول الغربية تفتح الآن ملف النشاطات الإخوانية على أراضيها بعد ما رشح أن بريطانيا تستعد لحظر جماعة الإخوان. والإخوان، الذين عولوا على الغرب وملاجئه لعقود من الزمن واعتبروه ظهراً بديلًا للظهر العربي، أصيبوا، تبعاً للنوايا البريطانية المتوقعة، بالجنون والتخبط إلى درجة أن أحد قادتهم إبراهيم منير، المقيم في لندن، هدّدَ بأن حظر الجماعة في بريطانيا سيزيد احتمال تعرضها لهجمات إرهابية.
وتابع: هذا يعني أن الإخوان يعترفون بممارستهم للإرهاب مباشرة أو عن طريق وسطاء.ويعني، من جانب آخر، أن ورقة التوت التي يسترون بها عورة الإرهاب أمام الغرب قد سقطت، إذ ليس أكثر وضوحاً من قول منير في تصريحه لصحيفة “التايمز” إنه إذا وقع "الحظر على الجماعة، فإن هذا سيدفع كثيرين في مجتمعات مسلمة إلى الاعتقاد بأن قيم الإخوان لم تنجح، وأنهم جماعة إرهابية، وهو ما يفتح الباب أمام الاحتمالات كافة".
ناقوس الخطر
وتحت عنوان "على العرب الإقلاع عن لعبة الزعامة"، دق الباحث والكاتب السعودي ناقوس الخطر، الذي يواجه الأمة العربية، محذرًا من الخطر الذي تمثله إيران في المنطقة، بعدما فضح مخططات جماعات الإسلام السياسي، مشددًا على ضرورة الوحدة والتوحد وإدراك حجم المخاطر والتهديدات والمخططات التي تُحاك تجاه الدول العربية، قائلًا: "ما يجب أن نعيه، ونحن نخوض صراعنا العربي الحالي مع إيران، هو أنه لا يزال بيننا، خاصة من المثقفين والإعلاميين، من ينفخ في جمر الزعامات الذي يشعل المواقف والخلافات بين الدول العربية".