هل الثقافة يمكن أن تعتبر حرفة منها نتربح وعليها نعيش ومنها نأكل ونشرب ، أم أنه يكفي أن يتغذى عقلك فقط ، وليس مهماً غذاء الجسد !!!
هل الذين يبيعون الكتب ويكسبون منها يعرفون ما فيها ، وهل يفهمونه أو يناقشون معناه ، أم أنهم كمن يبيع اللحمة ولا يأكلها ، أو يبيع الملابس ولا يجد ما يلبسه على طريقة باب النجار- لا مؤاخذه - مخلّع
أم أن المثقفون دائما فقراء ، والفقراء أحباب الله فالمثقف من كثرة ارتباطه بالكتب والروايات يتحول إلى شاعر لا يؤمن بالتجارة ، ولا يجيد التربح من حرف الحياة ،وهذه هي بداية معاناة المثقف في كل زمان ومكان .
ولكني أعتقد أن الثقافة في عصرنا هذا لم تعد تغن عن أصحابها شئ ، لأن هذا العصر شعاره إدفع الثمن واستلم أو أخرج ما في جيبك تتفتح لك الأبواب ، لأنهم حين ذلك لايعنيهم هل أنت توفيق الحكيم ، أو حتى حمار الحكيم ، المهم هي العملة التي في بلدك صعبة أم سهلة ، فلن تتمكن من شراء ربع كيلو من اللحم بعشر كتب عن العولمة ، ولكن والحق يقال قد تستطيع ذلك بكتاب أو حتى صورة للراقصة الفلانية أيام شبابها !
إذن الثقافة لم تعد تلك التجارة التي يتربح من ورائها صاحبها ،ولم تعد سوى غذاء العقول فقط ولا شئ سوى ذلك، وهو شئ ليس بالقليل بالمناسبة ، حتى الذين لديهم مكتبات لبيع الكتب أصبحوا بالتدريج يحولونها إلى سوبر ماركت أو مركز محمول جرياً وراء المكسب ، وحتى لا تجري ورائهم الدّيانة ، وحتى أصلا الكتب لم تعد سهلة المنال فالكتاب اليوم باهظ الثمن ، ومعظم الكتب المتوفرة من نوعية "الزواج وأخره " أو 20 سنه كورة
حتى أنني أذكر أن طلبت من أحد أصدقائي البحث عن كتاب " البخلاء للجاحظ " أو " البداية والنهاية لأبن هشام" فلم يجدهم في أي مكتبة من مكتبات جنوب الصعيد ، ولم يتيسر لي إقتناؤهم إلا من القاهرة بعد فترة طويلة ، ولله الأمر من قبل ومن بعد .