حبيب الصايغ يريد أعمارا لكتاب فلسطين

حبيب الصايغ يريد أعمارا لكتاب فلسطين

في رسالته السنوية إلى الأدباء والكتاب العرب، بمناسبة يوم الكاتب العربي الموافق الحادي عشر من ديسمبر، الذي يصادف يوم ميلاد الكاتب العالمي نجيب محفوظ، وجه حبيب الصايغ الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب رسالة إلى الأدباء والكتاب العرب.. هذا نصها:

نريد أعماراً لكتابة فلسطين يوم الكاتب العربي في عام القدس، في زمن القدس، حيث ربما فرقتنا، نحن الكتاب العرب، القضايا والإنشغالات، وحيث لم توحدنا ولا توحدنا، يقيناً، إلا فلسطين، هذه الشاهدة علينا وعلى أحزاننا وانكساراتنا، وأيضا على ذلك الشُعَاع النحيل في عين كل منا وفي قلبه.

القدس تنادينا، فيكفي تأجيلا! هكذا استيقظ عربي في أقصى المغرب من نومه مفزوعا، فجاوبه، وتجاوب معه، عربي آخر في أقصى المشرق، ولم يكونا يحلمان. عربي ثالث كان يحلم بهما، ويحاول تأجيل موعد قيامه من النوم قليلا، وبالتالي، ساعة الدوام، والبيروقراطية، والروتين، والمللشهيتنا يا أيام ياشهور يا أعوام، نحن الكتاب العرب، لحفلة التعارف، لا تنتهي، لكن أعمارنا، بالتأكيد، لا تكفي، بين البيت والعمل، وبين الحب والمرض، وبين الحياة والموت. أعمارنا القصيرة، مهما طالت، لا تكفي، فكيف إذا كانت منذورة، بهذا الشكل الصارخ وكأنه الضجيج، للقدس ولكتابة القدس، ولفلسطين ولكتابة فلسطين، بين كل موت مفاجئ وكل حياة مفاجئة؟ لن نعيش الماضي إلا إذا عشنا المستقبل، ولن نعيش المستقبل إلا إذا كان ملء المضارع، وملء فلسطين. فلسطين وحدها يمكن أن تمنحنا الدليل على صحة الماضي والحاضر حتى ندخل في المستقبل غير مدججين بالريبة والخوف.

ونريد أعمارا تكفي لكتابة فلسطين، أعمارا قادرة على تجاوز مسافات الركض ، نحو فلسطين، بين الخيال والخيلاء، فقد أتعبنا الحاضر ونحن نقف صفوفا صفوفا إلى جانب الغفلة لأخذ صورة تذكارية، وحين نقبل على غدنا، غد البراهين والبراكين، بوعي كتابة القدس وفلسطين، نصل إلى أنفسنا أسرع، ونحب أوطاننا أكثر، ونتمسك بقيمنا وشيمنا العربية أبعد، والمهم، الأهم، ألا نحول فلسطين وكتابتها إلى قضية موسمية، ولا نسجن كتابة فلسطين في أية مناسبة، مهما دقت أو جلت، ففلسطين هي فلسطين، وهي لا تختزل في القدس على أهمية القدس، كما أن القدس لا تختصر في المسجد الأقصى على أهميته. فلسطين هي فلسطين، الفكرة والجهة والبوصلة، رمز اعتزازنا، وعنوان أسمائنا، فلتكن القدس وهي في قلوبنا وفي قلب قضيتنا الأولى والمركزية، معنانا على الدوام، كما فلسطين، قبل وعد بلفور وبعده، وقبل وعد ترامب وبعده.

ونريد أعمارا إلى جانب أعمارنا، أعمارا بالإضافة، وأعمارا لا تتكدس في الأدراج أو على الرفوف، ولا تتبخر، آخر النهار، كبخار الماء. نريد أعمارا تتهيأ لنا ولتطلعاتنا وأفكارنا ونزواتنا منذ الصباح الباكر.نريد أعمارا تعرف كيف تخاطبنا بأسمائنا وعناويننا الصحيحة، وتعرف كيف تستقبلنا واحدا واحدا منذ الصباح الباكر من دون أن نقف في الطابور. نريد أعمارا ذكية ومدربة ومجربة، أعمارا تكفي لكتابة القدس ومجد فلسطين. لا نريد وقتا يمضي سريعا وكأنه مجنون، ثم يحاسبنا على أيامنا الضائعة وكأننا مجانين.الوقت الإضافي لا يسعفنا والمشاريع طويلة، والأحلام تملأ البيوت والسقوف والشوارع والساحات، ولا وقت كافيا للعمل اليومي والنوم والحب والموت، فهلا اجتمعنا منذ اليوم، وأكثر من أي يوم مضى، خارج المواعيد المرسومة  والمواسم الملفقة، على مطلبنا الجمعي؟ في داخل كل عربي فلسطين، وفي داخل كل إنسان حقيقي فلسطين، وكل إنسان، وهذا قدر بقدر ما هو ضرورة، وضرورة بقدر ما هو قدر، " يشيل " فلسطين على ظهره، ويظل يحملها، عبر الأيام والعقود، وكأنها صرة من وطن وأمل.

يوم الكاتب العربي، سنة القدس، زمن فلسطين، فلتعبر كتابة فلسطين عن نفسها بلا قيود، لتكن العاطفة والعاصفة، لتكن العبارة والشرارة، ولتكن الحرف والكلمة والأبجدية، لتعانق كتابة فلسطين مصابيح الشوارع ولافتات وإشارات المرور، ولتغنى على ألحان الأشجار والأغصان، ولنردد على ألسنة العمال والموظفين وربات البيوت ومشجعي كرة القدم. فسلاما أيتها الأوقات الفلسطينية العصيبة لكن المستبشرة والمبشرة ، سلاما أيتها البروق المكتوبة في مواضيع إنشاء أطفال فلسطين، سلاما أيتها الجثث المكتوبة في العيون والشفاه، سلاما يا نبض الحياة حتى في الحجارة، سلاما.

وتحية في يوم الكاتب العربي، عام القدس، زمن فلسطين،  إلى الكاتب العربي في كل مكان في الوطن العربي، وفي كل مكان على ظهر الكوكب، وتحية خاصة، محملة بعطر الورد والشوق والحنين والفخر  إلى الكاتب الفلسطيني في فلسطين وفي كل مكان، كما إلى شهداء فلسطين وأمهات الشهداء، وكما إلى الجرحى والمصابين، كما إلى الأسرى في سجون المحتل الغاشم وهو يثبتون حريتهم كل يوم، وكم أن سجانهم هو،حقا، المسجون. ومن وعي القدس وفلسطين، ومن احترام القارئ وعقله وخباله، تبدأ رحلة الكتابة، وتنطلق خيولا وفصولا. ومن وعي القدس وفلسطين، تكتسب كل كتابة احترامها، وتنزع نحو الجدية والأصالة والمعاصرة والعمق والإبداع والتفرد والذوق  والرشاقة والصدق والعذوبة والوضوح والغموض والحضارة والحضور والحاضر والمستقبل والتجاوز والإنتماء والوطنية والبوح والحب والصداقة والأخوة والمعنى والشكل والأخلاق والشجاعة والمفارقة والمجد والخلود والصعود والضمير.

مقالات مشابهه

من قسم آخر


التقيمات

راديو القمة

radio

فيس بوك

a
;