تعتبر ظاهرة التطرف من أخطر القضايا اليوم وأكثرها تعقيدًا وتركيبًا، بل بلغت المستوى العالمي، فلم يعد ينجو منها مجتمع بعينه ، حيث أصبح القلق والخوف منها قدرًا إنسانيًّا مشتركًا، يكاد يكون التطرف الديني أهم ما يشغل الناس في الوقت الراهن، فالظاهرة أصبحت تهدد السلم والأمن داخل المجتمعات، وتقود أحيانا إلى العنف بشتى أنواعه، الفكري واللفظي، وحتى المادي الذي يخربالممتلكات ويحصد العديد من الأرواح. فمن المنطقي، بل ومن الضروري أن ينشغل الناس بدراسة الظاهرة والبحث عن أفكار وحلول للحد منها، فالمسألة باتت تؤرق العالم بأسره. بل ويجب على جميع المجتمعات ان تصل لإيجاد الحلول التي تشكِّل العلاج الحقيقيّ لها، والحرص على تشجيع اتجاهات الوسطية والاعتدال والمعاني الإنسانية التي جاءت بها الأديان السماوية وخاصة ديننا الحنيف. التطرف يقصد به في الغالب الخروج عما اعتاده وألفه الناس من أفكار وسلوكيات وأحوال، ولا يقتصر التطرف على المجال الديني فحسب، بل قد يطال كل المجالات، السياسي والاقتصادي والاجتماعي وحتى الرياضي منها. وفي المجال الديني، لا يقتصر التطرف على دين معين، بل هناك متطرفون من أتباع كل الديانات السماوية والوضعية، ومن أتباع كل الإيديولوجيات، فهناك متطرفون يهود، ومتطرفون نصارى، ومتطرفون هندوس، ومتطرفون علمانيون، ومتطرفون ملحدون ومتطرفون مسلمون....
التطرُّف الديني هو أسلوب مغلق في التفكير يتسم بعدم القدرة على تقبل أية معتقدات تختلف عن معتقدات الشخص المتطرف ، وهى حالة مرضية على المستوى الفردي والجماعي تدفع إلى التعامل بالعنف والتعصب والبعد عن العقل والاستهانة بالآخرين ومعتقداتهم،
ويؤدى التطرف الديني إلى شق وحدة الأمة وإنكار الحقوق الاجتماعية والسياسية للفئات الأخرى، وهدم البنية الاجتماعية
ثم إن التطرف درجات ومستويات قد يكون لدى الشخص تطرف لكنه بنسبة قليلة جدا، حيث لا يؤثر على حياته الطبيعية وسلوكه مع الناس، عكس المتطرفين الذين يشكل تطرفهم الحاد عائقا أمام اندماجهم في المجتمع.
أضف إلى ذلك أنَّ الإنسان المتطرف دينيًّا يبيح القتل، والتمرد على الشعوب الكافرة -على حد قوله- ومن المظاهر التي تُميِّز المتطرفين العزلة عن المجتمع، وهجر الوظائف الحكومية، كما تتَّسم الشخصية المتطرفة على المستوى العقلي بالانغلاق والجمود عن التفكير، وعدم القدرة على التأمل والإبداع، والأخطر من ذلك أنَّ المتطرفين يتسمون بشدة الانفعال والاندفاع والعدوان والعنف والغضب عند أقل استثارة؛ فالكراهية مطلقة وعنيفة للمخالف أو المعارض في الرأي، والحب الذي يصل إلى حد التقديس والطاعة العمياء لرموز هذا الرأي .
فمن الناس الخارجين عن دائرة الإسلام يحاولون إلصاق هذه التهمة بالإسلام، وهناك دول تستعمل مصطلح التطرف والإرهاب سلاحا تضغط به على دول أخرى، ومن العلمانيين من يفعل ذلك ليلصق تهمة التطرف والإرهاب بخصومه السياسيين من الإسلاميين، فيسمهم بهذه السمة تمهيدا لمحاكمتهم شعبيا أو قضائيا، ومن الناس من يتناول الظاهرة لأهداف وغايات أخرى. وكل محاولة يفتقد أصحابها إلى الصدق في النية، والعدل في الأحكام والمعالجة، والمعرفة اللازمة بالشرع والواقع، فإنها لن تفلح أبدا في معالجة هذه الظاهرة. اما إذا أردنا معالجة عوامل التطرف ....
يأتى الإعلام على رأس اولوليات سبل العلاج ومواجهة الفكر المتطرف. ففى عصر الفضائيات المفتوحة ومع انتشار الإنترنت والسوشيال ميديا بمساندة رأس المال باتت الآلة الإعلامية سلاحا فتاكا، يملك من الفاعلية والتأثير ما تعجز عن تحقيقه كبرى المؤسسات التربوية أو الأدوات الحربية الحديثة، كما تحول إلى آلة ردع فاعلة فى حروب باردة يحقق زعماؤها أهدافهم .
وعلينا مراجعة أساليب التنشئة المبكرة، لأن أكثر المتطرفين -كما دلت الدراسات التربوية والنفسية- هم نتاج تربية غير سوية (بسبب التعدد العشوائي أو التفكك الأُسَري) وكذلك مراجعة مناهج التعليم وأساليب التدريس والبيئة التعليمية بأسرها، وليس مجرد تطوير المناهج والكتب الدراسية أو تنقيحها. ومن الأمور المهمة هنا :
وجوب إبعاد المتشددين (دعاة الكراهية) عن الحقل التعليمي ، كما يجب ضبط المنابر الدينية، وتجريم استخدامها في غير أهدافها المشروعة، كتوظيفها لخدمة أجندة حزبية، أو لأفكار متشددة،
يجب أن تكون منابر بيوت الله تعالى جامعة لا مفرّقة، منابر لجميع المذاهب والاتجاهات، تؤكد القواسم المشتركة وتنمي القيم والمبادئ الإسلام السامية كما ينبغي تطوير الخطاب الديني نحو الانفتاح على الآخر، وعلى القيم الإنسانية المشتركة، ويجب العمل على الحد من نفوذ السلطة الدينية، وكسر وصايتها على المجتمع، وتضييقها للحريات والمناشط الإنسانية، إضافة إلى ضبط الفتاوى المكفرة والمحرضة والمشككة في عقائد الآخرين.
وختاماً؛ التطرف عرَض لمرض، وإذا كنّا جادين في معالجة التطرف، علينا تجفيف منابعه الأولى وقطع جذوره من التربة المجتمعية، فالتطرف أساسه عقيدة تدفع صاحبها إلى اعتقاد تملك الحقيقة المطلقة وبأن الآخرين على باطل، وهذا أساس المرض.