عاد الجدل مرة أخرى حول كفاءة سياسات الدعم في مصر، خاصة الغذائية، بعد إصدار على المصيلحي، وزير التموين والتجارة الداخلية، قرارا باستخراج بطاقات تموينية جديدة بشكل استثنائى لفئات خاصة.
القرار المثير تضمن استخراج بطاقات تموينية جديدة للعاملين بالقطاع العام على ألا يزيد الدخل الشهري عن 1500 جنيه، بجانب أصحاب المعاشات الذين لا يزيد دخلهم الشهري عن 1200 جنيه، وكذلك استخراج البطاقات لمستحقي معاشات الضمان الاجتماعي، وتكافل وكرامة وأصحاب الأمراض المزمنة وعمال التراحيل والعمالة الموسمية والعاملون بالزراعة والباعة الجائلون والسائقون والمعنيون والحرفيون من ذوى الأعمال الحرة أصحاب الدخول الضئيلة والعاطلون والحاصلون على مؤهلات دراسية بدون عمل وذلك بموجب بحث اجتماعي لا يزيد فيه الدخل عن 800 جنيه، والقُصر ممن ليس لهم عائد أو دخل ثابت لوفاة الوالدين.
ورغم تأكيد الوزير فى بيان الأمس أن القرار لا يتضمن استبعاد أى من المستفيدين الحاليين على بطاقة التموين حتى لو زاد دخلهم عن 1500 جنيه، ولكن ضألة الأرقام "800 و1200 و1500 جنيه" تسببت في إثارة حالة واسعة من الجدل.
وفقا لتصريحات اللواء أبوبكر الجندي، رئيس جهاز التعبئة العامة والإحصاء، فإن دخل 1500 جنيه غير كافٍ لإخراج فردين، زوج وزوجة، من تحت خط الفقر، ما يعني أن الأسرة المصرية متوسطة العدد، 5 أفراد، والتي تحصل على دخل ما بين 1500 جنيه و4000 جنيه، تصنفها الدولة فقيرة، لكنها غير مستحقة للدعم أيضا.
خلال الثلاث سنوات الماضية قامت الحكومة بإعادة هيكلة لمنظومة الدعم، وتراجعت أهمية مخصصاته النسبية بالموازنة أمام بندي فوائد الديون والأجور، كما تم التركيز بشكل أكبر على عامل "الاستهداف" بدلا من "الشمولية"، وهو أمر جيد لا شك، حيث تم استحداث نظم معاشات تكافل وكرامة، ولكن هل هذا كاف؟
ما بين منتصف 2013 ونهاية 2015 ارتفعت نسبة الفقر من حوالي 25% إلى 27%، وتقول هبة الليثي، مستشار رئيس جهاز التعبئة العامة والإحصاء إن دعم الخبز منع 4% أخرين من الهبوط تحت خط الفقر، وترى أن خط الفقر في مصر في 2017 يتجاوز 35% من المصريين، ما يعني ببساطة أن الحكومة فشلت، في الأجل القصير، في حماية الفقراء أو حتى الطبقة المتوسطة من خطر الإفقار.
يصنف صندوق النقد الدولي الدول التي ألغت الدعم، ويقسمها إلى تجارب ناجحة وفاشلة، ومن أهم ما جاء في الدراسات التي أعدها مختصون من خبراء الصندوق أن الحكومات التي تقدم على "فطام" شعبها عن الدعم الذى استمر عقوداً طويلة يجب أن تحظى بتأييد شعبي جارف، كما اعتبر الصندوق، أن التجارب الناجحة عادة تضمنت إجراءات تمهيدية خففت من وطأة القرارات الصعبة لحماية الفئة الأكثر احتياجاً وفى بعض الأحيان ألغت الدعم أولاً عن سلع الطبقات الغنية مثل البنزين، بينما جعلت رفع سعر السولار في آخر قائمة المنتجات التي سيتم رفع الدعم عنها.
وعزت الدراسات معظم أسباب رسوب الحكومات فى اختبار إلغاء الدعم إلى عدم التخطيط لحملة إعلامية واستغلال مهارات العلاقات العامة فى التواصل مع الجماهير ومختلف جماعات المصالح قبل مدة زمنية ملائمة من اتخاذ القرار.
كما لفتت الانتباه إلى أن غياب شفافية الإيرادات والمصروفات يضعف مصداقية الحملات الدعائية التى تطالب المواطنين بالصبر حتى يتحسن الاقتصاد ويعوضهم عن رفع الأسعار.
في مصر تبدو أسباب الإفقار واضحة، أولها عدم التخطيط الجيد، وفشل منظومة الاستهداف، وتوالي الضربات الترشيدية على رؤوس المواطنين دون تقديم بديل مساوي في التأثير التعويضي، فالهدف الأساسي من الترشيد ليس إعادة التوجيه، وإنما خفض عجز الموازنة، وبالتالي تحميل الأفراد تكلفة الإصلاح وليس الضغط على الدولة لزيادة كفاءة التطبيق.