الأرهاب والتطرف مابين ”الفكر والفعل”

الأرهاب والتطرف مابين ”الفكر والفعل”

يختلف التطرف عن الإرهاب ومن خلال طرق معالجته فالتطرف في الفكر تكون وسيلة علاجه هو الفكر والحوار , أما إذا تحول التطرف إلى تصادم فهو يخرج عن حدود الفكر إلى نطاق الجريمة مما يستلزم تغيير مدخل المعاملة وأسلوبها داخل قانون الدولة.

 

توجد أربعة أسباب مهمة داخل عجلة التطرف وهي أسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وفكرية وإيديولوجية, فأعداد كبيرة من شباب العرب والمسلمين هم فقراء عاطلون عن العمل يعيشون في فراغ كبير ولا تتاح لهم أي فرص للمساهمة في معالجة مشاكل الخدمات والمرافق العامة المحلية المحيطة بهم، ويتعرضون بنفس الوقت لخطابات متطرفه ولثقافة ترفض التسامح

 

فيجدون أنفسهم في حالة تدفعهم دفعا نحو التطرف والعنف , فثقافة عدم التسامح التي يتم اكتسابها أحياناً في المنزل والمدرسة وأجهزة الإعلام والشارع تتفاعل مع وجود خطابات متطرفه يقدمه بعض الوسطاء في المجتمع ويتبنى رؤية خاصة وتفسيراً خاصاً للمشاكل الداخلية والخارجية في المجتمعات العربية والإسلامية, ويساعد على تنمية التطرف والعنف والإرهاب بين الشباب.

 

والوسطاء الذين يقومون بنشر الخطاب الإيديولوجي والديني المسيس الذي يحض بشكل مباشر وغير مباشر على التطرف والإرهاب وهم عديدون ويوجدون في مواقع كثيرة في المجتمع , ومن أمثلتهم بعض علماء الدين وأئمة المساجد، وبعض الأساتذة والإداريين ومسؤولي النشاط الرياضي والاجتماعي والثقافي في المدارس والنوادي وأصحاب الديوانيات والمجالس والمكتبات والمتخصصين في فن الكلام وزعماء بعض النقابات والجمعيات المهنية والفنية والتعاونية والخيرية وزعماء الدور الثقافية وبعض الكتاب والمفكرين.

 

ومن الأسباب أيضاً التعليم والتنشئة الاجتماعية على ثقافة الاستعلاء ورفض الآخر والتسفيه منه وتراجع التفكير النقدي وانتفاء ثقافة المشاركة, إضافة للخطابات الدينية المتعصبة التي تستند إلى تأويلات وتفسيرات خاطئة، تجانب الفهم الصحيح للإسلام ومجافية لروح الأديان كلها من الحفاظ على القيم الروحية النبيلة التي تعتمد على المحبة والرحمة والتسامح، وتنبذ التعصب والكراهية , يضاف إلى ذلك ثلاثية الفقر والأمية والجهل التي تدفع الشخص إلى الانسياق وراء خطاب ديني مشوّه وفتاوى وتأويلات مغلوطة، وآراء ضيقة الأفق، ومناخ معادٍ لثقافة الاختلاف، وفي أحيان كثيرة تكون “المرأة” في مقدمة ضحايا التطرف نتيجة لتعثر مسيرة التنمية الثقافية والاجتماعية في المجتمعات العربية.

 

ويزيد الشعور بالقهر نتيجة المعايير المزدوجة في العلاقات الدولية تجاه قضايا العرب والمسلمين، والتي يأتي في مقدمتها استمرار القضية الفلسطينية , واحتلال الأراضي العربية والاندفاع نحو الحلول المتطرفة خاصة في ظل تنامي دور قوى فاعلة، سواء كانت دولاً وجماعات في إذكاء التطرف, وأمام غياب قادة ورموز الفكر القادرين على مواصلة مسيرة سابقيهم من رواد النهضة والتنوير في العالم العربي، والذين قدموا اجتهادات ملهمة نجحت في المزج بين الأصالة والمعاصرة وتحديث بنية المجتمعات العربية تراجع تيار التحديث وتصاعد خطابات متزمتة فكرياً، متطرفة دينيًّا، سلطوية سياسيًّا، منغلقة اجتماعيًّا ,

ويضاف إلى كل هذه المعطيات الآثار السلبية للموروثات والعادات الاجتماعية والقيم الثقافية التي أنتجت تشوهات ثقافية واجتماعية وانتشار العديد من المنابر الإعلامية المحلية، والإقليمية التي تبث رسائل تحض على التطرف والكراهية، وتسيء إلى وسطية الفكر الديني المعتدل.

 

التعصب للرأي تعصباً لا يعترف للآخرين برأي، وهذا يُشير إلى جمود المتعصب مما لا يسمح له برؤية مقاصد الشرع ولا ظروف العصر، ولا يسمح لنفسه بالحوار مع الآخرين, فالمتطرف يرى أنه وحده على الحق، وما عداه على الضلال، كذلك يسمح لنفسه بالاجتهاد في أدق القضايا الفقهية، ولكنه لا يجيز ذلك لعلماء العصر المتخصصين منفردين أو مجتمعين، ما داموا سيصلون إلى ما يخالف ما ذهب هو إليه.

 

التشدد والغلو في الرأي، ومحاسبة الناس على الجزئيات والفروع والنوافل، كأنها فرائض، والاهتمام بها والحكم على إهمالها بالكفر والإلحاد،العنف في التعامل والخشونة في الأسلوب دون التعامل بالحسنى والحوار والاعتراف بالرأي الآخر.

 

سوء الظن بالآخرين والنظر إليهم نظرة تشاؤمية لا ترى أعمالهم الحسنة، وتضخم من سيئاتهم، فالأصل هو الاتهام والإدانة. قد يكون مصدر ذلك هو الثقة الزائدة بالنفس التي قد تؤدي في مرحلة لاحقة بالمتطرف إلى ازدراء الغير.

 

يبلغ هذا التطرف مداه حين يسقط في عصمة الآخرين ويستبيح دمائهم وأموالهم، وهم بالنسبة له متهمون بالخروج عن الدين. وتصل دائرة التطرف مداها في حكم الأقلية على الأكثرية بالكفر والإلحاد. إن هذه الظاهرة متكررة وليست وليدة العصر، بل وقعت في مختلف العصور وفي كل الديانات السماوية.

 

وفي الختام يمكن القول أن الإجراءات الأمنية لمكافحة الإرهاب ، تشكل أهم وأكبر التحديات لكل دول العالم في الحاضر والمستقبل، وهي ما زالت بحاجة دائمة ومتواصلة لمسح ومتابعة وتقييم التهديدات الإرهابية عن كثب، والعمل على إحباطها والرد عليها بحزم وقوة، مع ضرورة استيعاب وتفهم كافة العوامل البشرية والإنسانية المحركة والدافعة للعناصر الارهابية المتحمسة، للقيام بمثل تلك الأعمال التدميرية اللاإنسانية

مقالات مشابهه

من قسم آخر


التقيمات

راديو القمة

radio

الأكثر قراءة

فيس بوك

a
;