إن بعض الذين يعانون من الاضطرابات النفسية والسلوكية غالبا ما يلجأون للطريق السهل -في وجهة نظرهم - وذلك بتناول عقاقير طبية عبارة عن مهدئات او مسبطات (مواد مخدرة) أو مضادات اكتئاب أو حبوب منومة، دون إشراف طبيب نفسي متخصص....
ذلك الطريق الأسهل ولكنه أيضا الطريق الخطأ في علاج الاضطرابات النفسية والذي يؤدي إلى عواقب كارثية لما له من آثار جانبية خطرة على سلامة العقل والجسم معا، حيث يؤثر علي وظائف المخ والتي ينتج عنها خلل في سلوكيات الشخص ومعدل تركيزه وعلاقاته الاجتماعية وحياته في المجمل بشكل عام...
ليس ذلك فحسب وإنما يتطور الأمر إلي إدمان نوع معين من العقاقير الطبية نتيجة قيامها ببعض وظائف المخ الأساسية عن طريق تعويض بعض المركبات الكيميائية التي يفرزها المخ بشكل طبيعي.
إن تناول هذه العقاقير بشكل مفرط، دون إشراف الطبيب المختص يجعل المخ في حالة خمول لان هذه العقاقير تقوم ببعض وظائفه وبالتالي لا يقوى علي إنتاجها بشكل طبيعي مجددا نتيجة تعوده علي الحصول عليها من مصدر أسهل.
خمول المخ ينعكس سلبا علي حياة الفرد بشكل عام علي أرض الواقع حيث يصبح بلا همه وفي حالة خمول وانطواء يصل ذلك إلى عدم القدرة في الاستمرار في الحياة بشكل طبيعي أو قد يصل إلى عدم الرغبة في الحياة من الأساس في بعض الحالات المتطورة نتيجة هذه الإضرابات.
ما هو الحل؟
إن أغلب الاضطرابات والأمراض النفسية حلها بالأساس يكون في يد المريض نفسه، وما يقوم به المعالج النفسي هو فقط مساعدة المريض علي معرفة الحل الذي هو بداخله من الأساس...
يمكن تشبيه ذلك على أنه مساعدة شخص ما علي الخروج من كهف مظلم دخل فيه طواعية. إن ما يقوم به المعالج فقط هو إضاءة هذا الكهف المظلم ليعطي المريض القدرة علي رؤية المخرج ويساعده في الوصول له بسلاسة وثبات.
واستخدام العقاقير الطبية في العلاج النفسي يجب أن يكون بصورة مقننة جدا تحت إشراف طبيب متخصص، وأن لا تكون الخطوة الاولي في العلاج وتستخدم في الحالات المتطورة أو عند اكتشاف خلل ما في الوظائف الطبيعية التى يقوم بها المخ، وهذه العقاقير أو الأدوية لا يجب أبدا أن تكون بديلا للوظائف الطبيعية للمخ وإنما يجب أن تكون فقط هى المحفز للمخ لأداء وظائفه بالشكل الطبيعي.
الأمر يحتاج الي الإيمان واليقين مع بعض الجهد والإرادة القوية في البداية والتي مع الوقت ستساعد المريض في العودة لحياته الطبيعية تدريجيا، ويجب سحبها تدريجا من الجسم عندما تؤدي الغرض المطلوب المنوط بها...
يهدف العلاج النفسي بالأساس إلى تحسين صحة الفرد النفسية و العقلية، أو حل أو تخفيف السلوكيات المزعجة، أو المعتقدات الوهمية كالشعور غير المبرر بالقهر والوسواس القهري، أو الأفكار السلبية، أو اضطرابات العواطف، أو الاكتئاب بكل درجاته وأنواعه، أو الرهاب والزهان ... وغيرها من المعضلات والأمراض النفسية وهي تهدف بالأساس إلى تحسين العلاقات والمهارات الاجتماعية.
العلاج النفسي بالأساس يقوم على الأدلة عن طريق التواصل عقليا ووجدانيا مع المريض لعلاج هذه الاضطرابات النفسية وتحديد كل ابعاد المرض النفسي قبل اللجوء الي استخدام العقاقير الخاصة بالطب النفسي.
وهناك أمر بالغ الخطورة والأهمية، والذي يتعلق بثقافة العلاج النفسي في مجتمعنا، حيث مازال لدينا ذلك المعتد الراسخ الذي لا يعدو كونه خرافة مهلكة، في أن اللجوء إلى الطبيب أو المعالج النفسي هو وصمة من العار والعيب ودرب من الجنون. وهذا مفهوم في غاية الخطورة والذي بدوره أدى إلى اللجوء العشوائي لاستخدام عقاقير العلاج النفسي من المنومات والمهدئات مثلا دون وعي لخطورتها وآثارها الخطرة من الناحية الجسدية والنفسية علي المدي البعيد. ان صحة الإنسان النفسية هو من الأهمية بمكان لا يقل خطورة عن صحته الجسدية، والعديد من المجتمعات المتحضرة تتعامل مع العلاج النفسي على أنه امر طبيعي يقبل عليه الأصحاء والمرضى علي حد سواء للاطمئنان على صحتهم النفسية والحصول على التوجيهات النفسية الصحيحة للمضي في حياتهم بشكل طبيعي وشكل أفضل. وقد اتي الوقت لتغير تلك الخرافات الموروثه والنهوض بثقافة مجتمعنا للتعامل مع العلاج النفسي على أنه أحد اساسيات صحة الفرد بشكل عام ولا يجب النظر إليه من منحى الخجل أو وصمة الخلل والجنون، والتعامل مع صحة الفرد النفسية على نفس القدر من الشفافية والقبول تماما كصحة الفرد الجسدية، من أجل حياة أفضل ومجتمع أكثر انتاجا وثبات وصحة وأملا.
دكتور/ عبدالعزيز آدم
الباحث والمتخصص في علم النفس السلوكي