نتكلم عن موضوع تفشى اليوم فى حياتنا الحاضره الا وهو الإهمال ويجب علينا أن نعى جيدا أن هناك خلقان أصيلان يتوقف عليهما جودة العمل وحسن الإنتاج والبعد عن الإهمال، هما: الأمانة والإخلاص، وهما في المؤمن على أكمل صورة وأروع مثال، فالعامل المؤمن ليس همه مجرد الكسب المادي، أو إرضاء صاحب العمل، ولكنه أمين على صنعته يخلص فيها جهده، ويراقب فيها ربه .
وعلينا كذلك أن نتذكر أحوالنا وأعمالنا وبلادنا إذا وقفنا تجاه الإهمال بجد، وسعينا جميعًا إلى الإتقان والجودة في الأعمال، والرعاية التامة لما تحت أيدينا من مصالح عامة وخاصة ينفع الله بها العباد والبلاد، وعلينا كذلك استشعار قيم العظماء وأخلاق الأتقياء فنربي عليها نفوسنا وأهلينا .
وإن من الأمراض الاجتماعية التي أصابت حياتنا مرض الإهمال والتسيب واللامبالاة، وهو يعني التقصير في الأعمال والتهاون في أدائها وعدم إتقانها، والله عز وجل قد حذرنا من هذا الإهمال، وأخبرنا بأنه رقيب علينا وينظر إلى أعمالنا وإن الإهمال يدمر حياة الشعوب والمجتمعات والأفراد، وهو عدو التقدم والتطور والبناء، كم من كارثة وكم من جريمة كان سببها الإهمال!! به تتعطل المصالح وتهدر الأموال ويقل الإنتاج ويضعف الاقتصاد وتتعرض النفوس للأخطار.
لذلك سعى الإسلام إلى تربية أبنائه على تحمل المسؤولية، فكلَّ لحظة من لحظات حياة المسلم تتجسد فيها المسؤولية بكل صورها، أفرادًا ومجتمعات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"
والمسؤولية في الإسلام تعني أن المسلم المكلف مسؤول عن كل شيء جعل الشرع له سلطانًا عليه، أو قدرة على التصرف فيه بأي وجه من الوجوه، فالمسؤولية الشخصية، هي مسؤولية كل فرد عن نفسه وجوارحه وبدنه، وروحه وعقله، علمه وعمله، عباداته ومعاملاته، ماله وعمره، وهي مسؤولية لا يشاركه في حملها أحد غيره.
وروى أن عمرابن الخطاب رضي الله عنه كان في سفر، فلما كان قريبًا من الروحاء سمع صوت راعٍ في جبل، فعدل إليه ونادى عمر: يا راعي الغنم، فقال له الراعي وقد عرفه: نعم يا راعيها؛ يعني يا راعي الأمة، قال عمر: "لقد مررت بمكان هو أخصب من مكانك، هذا هو المكان الفلاني، وإن كل راعٍ مسؤول عن رعيته، ثم مضى عمر في طريقه".
وإن المتمعن في أحوال كثير من مجتمعات أمتنا يلحظ كيف أصبح الإهمال والتسيب يضرب بجذوره في تربتها ويعشش في زواياها، ويعيث هدمًا في أركانها، حتى صار سيد الموقف في كثير من تصرفات البشر فيها، ولو بنسب متفاوتة، وهذا الفضل بن عميرة يخبرنا عن صورة ناصعة من حياة الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يستشعر مسؤوليته وواجبه قال: إن الأحنف بن قيس قدم على عمر في وفد من العراق في يومٍ صائفٍ شديد الحر وهو محتجز بعباءة، يحاول إدراك بعير من إبل الصدقة شرد، فقال: يا أحنف: ضع ثيابك، وهلم فَأَعِنْ أمير المؤمنين على هذا البعير؛ فإنه من إبل الصدقة، فيه حق لليتيم والمسكين والأرملة، فقال رجل من القوم: يغفر الله لك يا أمير المؤمنين، هلا أمرت عبدًا من عبيد الصدقة يكفيك هذا، قال عمر: "ثكلتك أمك، وأُيُّ عبدٍ هو أعبد مني ومن الأحنف".
وبسبب الإهمال تتعطل الأجهزة وتتلف المعدات وتتوقف مصالح الناس، ويظهر الإسراف والتبذير والعبث بالأموال العامة والخاصة، وكم من أدوات ومكتسبات عامة وخاصة تحتاج إلى صيانة وتخزين جيد وحسن رعاية تنتهي بسب الإهمال وضعف الرعاية والمتابعة!! حتى العلاقات الزوجية والإهمال في أداء الحقوق والواجبات وتربية الأبناء، فأدى هذا الإهمال إلى انحرافات سلوكية خطيرة سببت التعاسة والشقاء للآباء الأمهات ..
وهناك الإهمال الذي كان من نتائجه ضعف التعليم وضياع السنوات وظهور السلوكيات الخاطئة وضعف الإنتاج وانتشار البطالة، وهناك إهمال في التعامل مع الانشطه والمجالات المختلفة وعدم أخذ الحيطة والحذر، فقتل بسبب ذلك أقرب الناس، وسفكت دماء وأزهقت أرواح، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح؛ فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار".
وإن الله سبحانه وتعالى أمر بتطهير القلب وتنقيته وتزكيته ،بل جعل سبحانه وتعالى من غايات رسالة النبي صلى الله عليه وسلم تزكية الناس ،وقدمها على تعليمهم الكتاب والحكمة لأهميتها ولقد أعطى القلب مكانة عظيمة في الدنيا والآخرة وما فسدت أحوال الناس ،وما أصاب بعض الناس مرض الإهمال ،إلا بعدما أهملوا هم قلوبهم ،فمرضت وكلت فظهر هذا الإهمال واضحاً جلياً على بقية سلوكياتهم.