تُعد الأدوية من السلع الاستراتيجية التي ينبغي ضمان توافرها بشكل دائم، نظرًا لارتباطها المباشر بصحة المواطنين. ورغم الجهود الحكومية المبذولة لضمان استقرار سوق الدواء، لا تزال مشكلة نقص الأدوية تمثل تحديًا كبيرًا في مصر، لا سيما في محافظة الإسكندرية.
الأدوية المثيلة والبديلة... حل مؤقت أم مخاطرة؟
في حديثها معنا، أوضحت الدكتورة فتحية فريد، صيدلانية، الفرق بين الأدوية "البديلة" و"المثيلة". فالأدوية البديلة تؤدي نفس الوظيفة العلاجية ولكن تحتوي على مادة فعالة مختلفة، مثل الفرق بين "كتافلام" (ديكلوفيناك) و"بنادول" (باراسيتامول). في المقابل، الأدوية المثيلة تحتوي على نفس المادة الفعالة والتركيب الدوائي ولكن من إنتاج شركات مختلفة، مثل "بارامول" و"بنادول"، وكلاهما يحتوي على الباراسيتامول.
وشددت د. فريد على أهمية وصف الطبيب للأدوية المثيلة عند تعذر الحصول على الدواء الأصلي، خاصة في الحالات المزمنة، مشيرة إلى أن استخدام البدائل غالبًا ما يكون مناسبًا فقط في الحالات البسيطة مثل الصداع أو نزلات البرد.
تحسن نسبي... ولكن بعض الأدوية ما زالت مفقودة
رغم تحسن الوضع مؤخرًا في الإسكندرية، وعودة الكثير من الأدوية إلى السوق، إلا أن بعض الأدوية الحيوية لا تزال غير متوفرة، لا سيما تلك التي لا تمتلك بدائل فعالة، مثل:
دواء "داينيترا": يستخدم لعلاج الذبحة الصدرية وتسارع ضربات القلب، ويُعد دواءً طارئًا يوضع تحت اللسان.
أدوية القلب والشرايين التاجية: مثل "أدانكور" وبديله "رانيديل"، والذي بدأ بالعودة إلى السوق مؤخرًا.
أدوية الغدة الدرقية: مثل "التروكسين" وبدائله "إثيروكس" و"T4 Thiro".
في حوار خاص، استعرض الدكتور محمد أنسي الشافعي، نقيب صيادلة الإسكندرية، أبرز ملامح أزمة نقص الأدوية، كاشفًا عن أسبابها الرئيسية، والدور الذي تقوم به كل من الحكومة ونقابة الصيادلة في التصدي لها.
وأوضح الشافعي أن الأزمة تعود إلى عوامل متعددة, أبرزها ارتفاع أسعار مدخلات الصناعة نتيجة أزمة تعويم الجنيه، الشركات العالمية (المالتي ناشيونال) تأثرت بشدة بسبب زيادة تكلفة المواد الخام ومواد التغليف مثل الألومنيوم والكرتون، وكلها مستوردة بالعملة الصعبة. هذا الوضع أدى إلى عزوف بعض الشركات عن التصنيع أو تأخير توريد الأدوية انتظارًا لقرارات تسعير جديدة تقلل من خسائرها.
الأزمة تفاقمت في النصف الأول من عام 2024، ما استدعى تدخلات حكومية على أعلى مستوى، حيث عُقدت اجتماعات بين رئيس الوزراء ووزير الصحة وهيئة الدواء لوضع حلول عاجلة.
تأثير أزمة الدولار على الصناعة الدوائية؟
كل مدخلات صناعة الدواء تقريبًا مستوردة بالدولار، سواء المادة الخام أو حتى العبوات. وبالتالي، ارتفاع سعر الصرف ضاعف التكاليف. بعض الأدوية يتم استيرادها بالكامل من دول مثل إنجلترا وفرنسا وألمانيا، ما يعقد الأزمة أكثر لأن أسعار هذه الأدوية خاضعة للتسعير الجبري وفقًا للقانون رقم 163 لسنة 1950، الذي لا يسمح للصيدليات بتغيير السعر دون قرار رسمي.
هل تأثرت أصناف معينة من الأدوية أكثر من غيرها؟
بالفعل، جميع أنواع الأدوية تأثرت بدرجات متفاوتة، لكن الأدوية المستوردة كانت الأكثر تضررًا، بداية من المضادات الحيوية، وحتى أدوية الأمراض المزمنة مثل الضغط، السكر، الكوليسترول، وأدوية أمراض الدم. بعض الشركات كانت تمتلك كميات مخزنة، لكنها امتنعت عن طرحها إلا بعد رفع الأسعار.
كيف تعاملت وزارة الصحة مع الأزمة؟
وزارة الصحة اتخذت عدة إجراءات، منها رفع أسعار عدد كبير من الأدوية أكثر من مرة خلال عام 2024، لضمان استمرارية الإنتاج. كما تم التنسيق بين وزارة الصحة، ونقابة الأطباء، ونقابة الصيادلة لبدء كتابة الروشتة بالاسم العلمي للدواء بدلاً من الاسم التجاري، مما ساعد في توفير البدائل (المثائل) للمريض.
كيف أثرت الأزمة على المرضى خاصة أصحاب الأمراض المزمنة والنادرة؟
المرضى في بعض الأحيان لم يتمكنوا من الحصول على علاجهم بالكامل. ولذلك، عملنا على تعزيز ثقافة "المثيل الدوائي"، وهو دواء يحتوي على نفس المادة الفعالة والتركيز، لكنه من إنتاج شركة أخرى. هذا الحل كان فعالًا، خاصة مع ظروف السوق والضغوط الاقتصادية، إذ إن المثائل غالبًا ما تكون أرخص وتؤدي نفس الغرض.
الأطباء أصبح لديهم مرونة في وصف المثائل، والصيادلة أيضًا يقومون بدور كبير في صرف البديل المتوفر، وهو حق للمريض.
هل هناك تفاوت في توافر الأدوية بين القاهرة والمحافظات؟
نعم، هناك تفاوت في التوزيع. بعض الأدوية كانت متوفرة في الإسكندرية ومفقودة في القاهرة، والعكس صحيح. الجهات الحكومية، خاصة التأمين الصحي، عملت على توفير الأدوية بالتنسيق مع المحافظات للحد من هذا التفاوت.
ما دور الصيادلة في مواجهة الأزمة؟
الصيدلي هو خط الدفاع الأول، حيث يتعامل مباشرة مع المواطن. وكان له دور أساسي في صرف المثائل الدوائية وتقديم المشورة. كما أطلقت نقابة الصيادلة حملات توعية أبرزها منشورات بعنوان: "عزيزي الصيدلي، اصرف المثيل"، وأخرى موجهة للمواطن للتأكيد على فعالية وأمان البدائل المعتمدة من وزارة الصحة.
كيف تعاملت المستشفيات الحكومية مع نقص الأدوية؟
المستشفيات تتعامل من خلال "هيئة الشراء الموحد" (U.P.A)، وهي جهة مركزية مسؤولة عن توفير احتياجات وزارة الصحة. تمتلك الهيئة منظومة إمداد فعالة، ويتم التواصل معها بشكل مستمر لتفادي النقص.
هل هناك تنسيق بين الجهات الرقابية والصيادلة في الإسكندرية؟
نعم، هناك تواصل دائم مع الجهات الرقابية مثل وزارة الصحة، وهيئة الدواء، والأجهزة الأمنية. كثير من المشكلات الدوائية لا تكون الصيدليات طرفًا فيها، خاصة مع انتشار البيع "أونلاين" من مخازن غير مرخصة أو شقق غير معلومة، ما يمثل خطرًا كبيرًا على صحة المواطن. وقد تم تقديم العديد من البلاغات ضد هذه المخالفات، ويجري التنسيق المستمر مع الجهات المعنية لاتخاذ الإجراءات اللازمة.
هل ترى أن الأزمة تم تجاوزها؟
حاليًا في يونيو 2025، أصبحت أكثر من 85% من الأدوية متوفرة في السوق، وهو تحسن كبير مقارنة بعام 2024 لا تزال هناك تحديات، لكن التعامل الحكومي السريع، وتعاون النقابات، ودور الصيادلة، كلها عوامل ساعدت في احتواء الأزمة.