هذا سؤال كان متوجه الى النبى الكريم صلى الله عليه وسلم من أمين الوحى جبريل عليه السلام عندما جاءه فقد سأل جبريلُ - عليه السلام - رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - على ملأ من الناس فقال: أخبرني عن الإيمان، قال - صلوات الله وسلامه عليه:(أن تؤمنَ بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمنَ بالقدر خيره وشرِّه). فالإيمان باليوم الآخر إذًا رُكْن من أركان الإيمان، ومَنْ يكفر به فقد وقع في الكفر والضلال البعيد؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 136]. والبعثُ في ذاك اليوم حقٌّ؛ قال الله تعالى: ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ﴾ [القيامة: 3، 4]، وقال سبحانه: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115]، وقال - جلَّ جلاله: ﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [التغابن: 7]، وقال سبحانه: ﴿ وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ﴾ [الحج: 7]، وقال - عز وجل: ﴿ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﴾ [يس: 78، 79]. إن حياة الإنسان لا تنتهي بموته في نظر الإسلام، كلا بل موتُه انتقالٌ من حياة معروفةٍ لها صفات معينة، ترتبط بدقَّات القلب وانتظام الأجهزة إلى حياةٍ أخرى يدعونها بالحياة البرزخيَّة، ولها بدايةٌ تبدأ بموت الإنسان ولها نهاية، وتمتدُّ إلى يوم البعث عندما يُنفَخ في الصور وهذه الحياة لا نستطيع أن نفصِّل القولَ فيها إلا بمقدار ما تمدُّنا به النُّصوصُ الدينية؛ لأن ذلك من عالم الغَيْب، والإيمان بالغيب من ركائز الإيمان؛ قال الله تعالى: ﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 1 - 5]. والحياة الثالثةُ: هي التي تبدأ بنفخ الصور ولا نهاية لها، وهي الحياةُ الآخرة الأبديَّة، وفيها الحشرُ والحساب، والمرور على الصِّراط، والمصير إلى النعيم المقيم أو إلى الجحيم الأليم. هذه الأنواع الثلاثة من الحياة. أما الحياةُ الدنيوية فمدَّتها قصيرة محدودة بستين أو سبعين من السنين، ولا تكاد تتجاوز المئةَ إلا قليلاً عند نفَرٍ قليلٍ من الناس. ونظرة في كتُب التراجم، وفي الصحف التي تنْشُر أخبار الوَفَيات تُؤَكِّد ذلك. فالعاقل مَن اغتنم قوَّته وصحَّته وعمره، فسارَع إلى الخيرات والطاعات؛ قال تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133] وما أجملَ معنى هذا الحديث: (الكَيِّسُ مَن دان نفسَه وعمل لما بعدَ الموت، والعاجزُ مَن أتبع نفسَه هواها وتمنَّى على الله الأماني)! أجل، إن العاقل مَن عمل لما بعد الموت، وبادَر بالعمل الموتَ والمرضَ وما إلى ذلك، فقد روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال:(بادِرُوا بالأعمال سبعًا: هل تنتظرون إلا فقرًا مُنسيًا، أو غنًى مُطغيًا، أو هَرمًا مُفنِّدًا، أو مَوتًا مُجهزًا، أو الدجَّال فشرُّ غائب يُنتظَر، أو الساعة، والساعةُ أدهى وأمرُّ) قال الله تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ﴾ [الروم: 54]. والدُّنيا سريعةُ الزوال، ما إن يستمتع بها المرءُ حينًا حتى تزول، وهو في أشدِّ الحاجة إليها؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [يونس: 24]. ولا تستحقُّ هذه الدنيا من العاقل الاهتمامَ الكبير بها، والانشغال بها عن عمل الآخرة، قال تعالى: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ[4] نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [الحديد: 20] وفي الناس مظلومون مُستضعَفون، لا يستطيعون أن يواجهوا ظالميهم ولا أن ينتصفوا منهم، ولكنهم لا يَهِنُون ولا يحزنون إن كانوا مُؤمنين، وتراهم أُباةً للظلم ولو في أعماق أنفسهم، مُوقنين أنهم سيأخذون حقَّهم كاملاً يوم القيامة؛ قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ﴾ [غافر: 17، 18]. ويبلغ الظالِمُون في ذاك اليوم من الذُّلِّ والخِزْي والفزع الغاية؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ﴾ [إبراهيم: 42، 43]. وقد ذكر الله - تبارك وتعالى - يومَ القيامة في مواطنَ كثيرةٍ من كتابه الكريم، يُحَذِّر عباده من التعرُّض للخُسران المبين في ذاك اليوم الرهيب الذي ﴿ تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 2]. فلنُعدَّ لهذا اليوم عُدَّته؛ قال تعالى: ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ فاللهم أمتنا على قول لا اله الا الله محمد رسول الله .