من الله عز وجل على عباده بالرزق فمنهم من شكر ومنهم من كفر ولكن، حدوثونا عمن سبقونا ممن كنز الذهب والفضة؟ فنحن لسنا أول من سكن الأرض، ولسنا آخرهم! أين كنوزهم التي كنزوها؟ بل أين هم؟ وكيف استفادوا من كنوزهم؟ وما السعادة التي جلبتها لهم أموالهم؟ وما الشرور التي دفعتها عنهم؟ من أعظم من علمنا سعة غناه وكثرة ماله من قال الله عنه: (وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ)[القصص: 76]؛ فالعصبة من الرجال الجماعة الأقوياء أتعبهم حمل مفاتح خزائن الكنوز !فكيف بالكنوز نفسها؟ وقال تعالى عن أحد أثرياء العالم في وقته: (وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا)[المدثر: 12]، وقال الله عن نهايته، وسوء عاقبته: (سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا)، (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ). وقال عمن تبت يداه وتب: (مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ)[المسد: 2- 3] وفي الذي يؤتى كتابه بشماله قال الله عنه: (مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ)[الحاقة: 28]؛ فهذه كنوز الدنيا وهذه نهاية أهلها حينما لم يقوموا بحقها، ولم يعرفوا قدرها؛ وإلا فقد قال عليه الصلاة والسلام: “نعم المال الصالح للرجل الصالح“. ومع ذلك دعونا نشتغل بكنز باق، وثروة لا تنقضي، ولن نكنزها في الأرض، وصناديق الدنيا لأننا لو كنزناها في الأرض لتعلقت قلوبنا في الأرض، ولاشتغلت خواطرنا بحراسة صناديق الدنيا وصرنا خدما لها، وإنما ثمرة المال حينما يكون خادما لك ! لا خادما له! أين سنكنزه؟ وهل عندنا غير هذه الأرض؟ يقول عَبْدُ اللهِ بن مسعود -رضي الله عنها-: “مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَجْعَلَ كَنْزَهُ فِي السَّمَاءِ حَيْثُ لاَ يَأْكُلُهُ السُّوسُ، وَلاَ يَنَالُهُ الُلصوص فَلْيَفْعَلْ، فَإِنَّ قَلْبَ الرَّجُلِ مَعَ كَنْزِهِ“، وصدق رضي الله عنه؛ إذن اجعل كنزك في السماء ليتطلع قلبك إلى السماء، وما أعده الله هناك لعباده الأتقياء، (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ)[الذاريات: 22]، (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ)[فاطر: 10]. أما أي شيء تكنزه؟ فإليك من جوامع كلم النبي -صلى الله عليه وسلم- جملاً جامعة، وقد احتوت على معاني سامية؛ فعن شداد بن أوسٍ -رضي الله عنه-، قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “يا شداد بن أوس: “إذا كنَز الناسُ الذهبَ والفضة، فاكنِز هؤلاء الكلماتِ: اللهم إني أسألك الثباتَ في الأمر والعزيمة على الرُّشد، وأسألك شُكْر نعمتك، وحُسْن عبادتك، وأسألك قلباً سليماً، ولسانًا صادقًا، وأسألك من خير ما تَعلَم، وأعوذ بك من شرِّ ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم، إنك أنت علام الغيوب ” رواه النسائي وغيره وهو حديث ثابت احتفى العلماء به . ما أعظمها من كلمات ودعوات هي من الباقيات الصالحات التي يدخرها العبد عند ربه ويرجو أجرها ونفعها من خالقه . فإذا تسابق الناسُ على كنز الذهب والفضة وما في معناه من الأموال والقصور والمساكن الواسعة والمراكب الفارهة فليكن سباقك في مضمار آخر؛ نعم، لا تنس نصيبك من الدنيا؛ ولكن لا يزاحم دنياك حظك من الأخرى! (وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ) ابتدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الكنوز بقوله: “اللَّهُمَّ إني أسالك الثَّبَات فِي الأمر والعزيمة على الرشد“؛ يقول ابن القيم -رحمه الله-: ” وَهَاتَانِ الكلمتان هما جماع الْفَلاح وَمَا أتي العَبْد الا من تضييعهما، أَوْ تَضْييع أحدهما … فَإِذا حصل الثَّبَات أولا والعزيمة ثَانِيًا أفلح كل الْفَلاح وَالله ولي التَّوْفِيق. الثبات في الأمر، أي أمر هذا؟ إنه أمر الدين أمر شرع رب العالمين فهو ثابت بتثبيت الله له؛ (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ)[إبراهيم: 27]. ليس ممن يعبدون الله على حرف أو يعبدونه في المناسبات ثابتون زمن الرخاء متقلبون زمن الشدة والبلاء؛ عن شهر بن حوشب، قال: قلتُ لأُمّ سلمه -رضي اللّه عنها-: يا أُمّ المؤمنين! ما أكثر دعاء رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلم- إذا كان عندكِ؟ قالت: كان أكثرُ دعائه: “يا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّت قَلْبي على دِينكَ“، قالت: فقلتُ له: يا رسولَ الله، ما أَكثَرَ دُعَائِكَ بهذا؟ قال: يا أُمَّ سلمه: “إنه ليس آدَميٌّ إلا وقلبُه بين إِصْبَعيْنِ من أصابع الله، فمن شاء أقام، ومن شاء أزَاغَ“؛ فتلا معاذ قول الله –تعالى- (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)(رواه الترمذي وهو حديث حسن). وأعظم أمر في هذه الدين أمر توحيد رب العالمين ومتابعة سنة رسوله الأمين. ثم هم ثابتون على صلاتهم؛ (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ)[المعارج: 23]؛ ثابتون على ما يكملها من نوافل ركعاتهم، وأعظمها في ساعات خلواتهم، وطول مناجاتهم . ثم هم ثابتون على جمال أخلاقهم مع خلق الله فصير جميل. صابرون على برهم بوالديهم، والقيام بمصالحهم، مراعون لخواطرهم . فهم صابرون على أزواجهم وأذية أولادهم وقراباتهم، كاظمون لغيظهم، ممتثلون قول ربهم؛ (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)[الأعراف: 199]. وليتم تحقيق ثباتك على الأمر تأتي الدعوة الثانية “العزيمة على الرشد”؛ العزيمة المصممة ليست الرغبة فقط فليس الإيمان بالتمني ! فالرشد الذي هو صلاح الحال واستقامة الطريقة يحتاج إلى عزيمة قوية من ثمارها الاستمرار (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)[الأحقاف: 35]. فالناجحون في حياتهم هم العازمون على تحقيق مراداتهم على تحقيق الرشد في حياتهم في عبادة أو معاملة؛ فكم علمنا من فضائل لأعمال ثم لم نعمل بها! فاتنا فيها العزيمة على الرشد.فاللهم ارزقنا الرشاد الى طاعتك يا رب العالمين .