يعيش الانسان فى هذه الدنيا وهو يعلم علم اليقين بأنه سيموت وان مرده الى الله عز وجل ولكنه يتناسى ذلك ويتناسى الحقيقه الواضحه وضوح الشمس انها الموت الذى لا ماحالة فيه فهو آتى وهو المصيبه التى نادى بها الله فى كتابه الكريم فقال مصيبة المون نعم الموت مصيبة، لكن المصيبة الأعظم، هي: الغفلة عن الموت، عدم تذكر الموت، عدم الاستعداد للموت، لقد وعضنا النبي -صلى الله عليه وسلم- بموعظة من أبلغ مواعظه، تلين القلوب، وتدعو إلى المحاسبة، وتذكرنا بالآخرة، فقال صلى الله عليه وسلم: "أكثروا من ذكر هاذم اللذات".
نعم -أيها الغالي-: يوم غفلنا عن الموت وسكرته، والقبر وظلمته، والسؤال وشدته، ويوم القيامة وكرباته، والصراط وحدته، يوم غفلنا عن هذه الأشياء قست القلوب، وظهر الفساد في البر والبحر.
اعلموا -عباد الله-: إن من كان للموت ذاكراً كان للموت مستعداً، قال أبو علي الدقاق: "من أكثر من ذكر الموت أكرم بثلاث: أكرم بتعجيل التوبة، والنشاط في العبادة، والقناعة في القلب، ومن نسي الموت عوقب بثلاث: التسويف في التوبة، والكسل في العبادة، وعدم القناعة في القلب".
وذكر الموت يقلل كل كثير، ويكثر كل قليل، ويزهد في الدنيا، ويعين على العمل الصالح.
والإكثار من ذكر الله هو سبيل المؤمنين، وعباد الله المتقين؛ كان الحسن بن يسار كثيراً ما يقول: "يا ابن آدم! نطفة بالأمس، وجيفة غداً، والبلى فيما بين ذلك يمسح جبينك كأن الأمر يعني به غيرك، إن الصحيح من لم تمرضه القلوب، وإن الطاهر من لم تنجسه الخطايا، وإن أكثركم ذكراً للآخرة أنساكم للدنيا، وإن أنسى النّاس للآخرة أكثرهم ذكراً للدنيا، وإنّ أهل العبادة من أمسك نفسه عن الشر، وإن البصير من أبصر الحرام فلم يقربه، وإنّ العاقل من يذكر يوم القيامة ولم ينس الحساب".
إذاً -يا رعاك الله- مما يرقق القلوب: التفكر في الموت وفي أحواله، وفي القبر وظلماته.
فبالله عليك –أخي-: هل تفكرت يوماً وأنت تخرج في الصباح أنك لن ترجع إلى بيتك مرة ثانية؟ هل تفكرت أن هذا اليوم هو آخر يومٍ لك في الحياة؟ هل إذا أتاك ملك الموت في هذا اليوم أنت راض عن نفسك؟ هل أنت راضٍ عن عملك الذي ستقابل به ربك؟ هل تخيلت حالك قبيل الموت كيف تكون؟ هل تخيلت أنفاسك الأخيرة على أي حال ستنقضي؟ وهل ستكون ممن يحبون القدوم على ربهم أم ستكون كالعبد الآبق يطلب الرجعة؟
فيا أخي: أنت الآن في مهلة فاغتنم فرصة العمل قبل انقضاء الأجل، فوالله لا ينفعك أن تقول: (رَبِّ ارْجِعُونِ)
فلا تغفل -أيها الغالي- عن الموت، فإنه ليس له مكان معين، ولا زمن معين، ولا سبب معين، ولا عمر معين، يأتيكم بغته وأنتم لا تشعرون: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)
عباد الله: إن الناس عند الموت على حالين: إما محبٌ للقاء الله، فيحب الله لقائه، وإما كارهٌ للقاء الله فيكره الله لقائه، قالت عائشة: يا رسول الله كلنا يكره الموت؟ قال: "لا يا عائشة ليس ذاك، لكن هو العبد الصالح – العبد المستقيم- عند سكرات الموت تأتيه ملائكة الرحمن، تبشره بروح وريحان، ورب راض غير غضبان، فيفرح بلقاء الله، فيفرح الله بلقائه، أما العبد العاصي -العبد الغافل- فتأتيه ملائكة الرحمن، تبشره بسخط وعذاب من الله، فيكره لقاءِ الله، فيكره الله لقائه".
فاستعدوا للموت -عباد الله- قبل أن يفاجئكم، قال أبو الدرداء -رضي الله عنه- وهو يحتضر: "ألا رجل يعمل لمثل مصرعي هذا؟ ألا رجل يعمل لمثل ساعتي هذه؟ ألا رجل يعمل لمثل يومي هذا؟ ثم بكى، فقالت له امرأته: أتبكي وقد صاحبت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: ومالي لا أبكي ولا أدري علام أهجم من ذنوبي".
وبكى أبو هريرة -رضي الله عنه- في مرضه، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: "أما إني لا أبكي على دنياكم هذه، ولكني أبكي على بعد سفري، وقلة زادي، وإني أصبحت في صعودٍ مهبط على جنة، أو نار، ولا أدري أيهما يأخذ بي".
فتخيل -يا عبد الله- نفسك وأنت على فراش الموت تعاني مرارة الموت، وتخيل ممشاك إلى القبر، وتخيل مبيتك فيه وحيداً فريداً، في حفرة ضيقة مظلمة، مغلقة محكمة، تخيل أول ليلة تبيتها، وأول نزلة تنزلها، وأول سؤال تسمعه في القبر: من ربك؟ ما دينك؟ ماذا تقول في الرجل الذي بعث فيكم؟ تخيل ذلك وتخيل حالك كيف سيكون حينها؟
عن أنس -رضي الله عنه- قال: "ألا أحدثكم بيومين وليلتين لم تسمع الخلائق بمثلهن أول يوم يجيئك البشير من الله -تعالى- إما برضاه وإما بسخطه، ويوم تعرض فيه على ربك آخذ كتابك إما بيمينك أو بشمالك، وليلة تستأنف فيها المبيت في القبور، وليلة تمخض صبيحتها يوم القيامة".فاللهم اجعلنا من أهل اليمين يا رب العالمين .