كنتُ أغافلُك لأنسحبَ من عينيك رويدًا رويدًا

كنتُ أغافلُك لأنسحبَ من عينيك رويدًا رويدًا

عشرُ سنواتٍ مرتْ علي الذكري ، كنتَ رأدَ الضحى ، في عيونِ ما عشتُ من زمنِ الطفولةِ والصبا ، منذُ الغَرِيسَةِ الأولي حتى اخضرارِ العودِ في سَمَار الحقولِ ، الظلَ الذي يسكنُ الصدرَ من الصباحِ حتى الصباحِ ، ومن المساءِ حتى أعودَ ممسكًا بك عكازًا وريشةَ ، أستندُ ثم أعزفُ بك علي أوتارِ الشوارعِ المسكونةِ بحضورٍ للغيابِ ، فتكسي الصدورَ العارياتِ ريشًا لأحلمَ ،حريصٌ أن أسقيَ صوتكَ كلَ يومٍ ماءَه ، واطلي جدرانَه في المواسمِ ، ادخرتُ من غرسِكَ حطبًا كثيرًا للبرودةِ المهاجرةِ .
أيها الربُ لن تموتَ أبدًا ، كيف تموتُ وأنا أضعُك نظارتي لأريَ الوجودَ الخفيَ ، أنصبُ ظلكَ في الظهيرةِ كي أنامَ تحتَه ، أتوسدُ صمتَك الذي تركتَ في المساءِ ،فيزدحمُ الكونُ بغنةِ التسبيحِ ، ويرنُ آذانُ الفجرِ في كلِ المواقيتِ ، فأعقدُ حبالَكَ الصوتيةَ حولَ أذني ، ساعتَها أدركُ لماذا كنتَ ترفو ظلَكَ في ثوبِ الفجرِ ليبقَ ؟ ولماذا اصطحبتُ في حقيبتي قصاصاتِ أظافرِكَ الحيةَ ؟ كي أحيا بجوارِها ، أخرَ مرةٍ أراكَ ، كنتُ أغافلُك لأنسحبَ من عينيك رويدًا رويدًا ، والدمعُ يهرولُ خلفيَ ساخنًا ، كنتُ ساعتَها أقايضُكَ علي عنقودٍ من العنبِ لعلي أستردُهُ هناك ، وأنتَ تهتفُ لماذا أبكيتني ..إنك لن تراني ثانيةً !!!فابحثْ لنفسِك عن قِرنٍ بديلٍ .
يدُك التي مَجِلَتْ في الغيطانِ طوالَ السنينِ ، تغرفُ الآنَ للأبرياءِ ليشربوا حتى يأتيَ أباؤهم من العَالمَِ الميتِ، هي قطعةُ من القطنِ النقيِ أتوسدُها في لحظاتِ الغيابِ ، حريرٌ علي أديمِ الجسدِ الذي تفرعَ من الشجرةِ الوارفةِ ، كنتَ تصحبُ القمرَ طفلاً حتى مماتهِ الشهري ، والشمسَ منذ نبتتْ بذرتُها حتى المساءِ الجديدِ ، وتعودُ بعد نهارٍ طويلٍ في أولِ الليلِ ، وبعدَ ليلٍ طويلٍ في أولِ النهارِ ، وأنا في انتظارِك ، أتجردُ مني لأذوبَ فيك ، فيحملنُي الضوءُ لأري الحقيقةَ .
حينما كنتَ تأخذُني صغيرًا للغيطِ معكَ ، كانتْ الأرضُ حينما تراك ، تردُ السلامَ ، ثم تمتطي ظهركَ سريعًا، وأنت تمشطُ شعرَها بفأسِكَ الطيني ، أجري أنا لأتعلقَ بثديها ، أفتحُ كراسةَ اللذةِ ، فأرسمُ خيالاً بلا قيودٍ ، أنفخُ فيه .. فيطيرُ ، يجلسُ فوقَ جريدِ النخلِ العالي ينظرُ إلي ويضحكُ ، تقول لي شعرًا لعنترةَ ، تتحولُ النخلةُ لحصانٍ جامحٍ ، وأنا أتتبعُه لفوقٍ ، يسمعُ اسمَ (عبلةَ) في القصيدةِ يصيرُ حمامةً بيضاءً تحطُ علي كتفي ، يصيرُ وجهُكَ حديقةً ، وأنا الدغلُ الصغيرُ أحتفظُ بالجذورِ لتبقَ السلالاتُ عندي تفخرُ بها هناك .

مقالات مشابهه

من قسم آخر


التقيمات

راديو القمة

radio

فيس بوك

a
;