أختلف كلية مع الهيئة الوطنية للصحافة التي أوصت في اجتماعها الأخير بتشيكل لجنة لدراسة رفع أسعار الصحف بداية من سبتمبر المقبل كما أوصت بتحصيل اشتراكات علي الصحف القومية وإنشاء مصانع ورقية(!).
فالهيئة الوطنية للصحافة لم تقدم حلولاً واقعية للأزمة التي تواجهها الصحافة الورقية التي أصبحت في مهب الريح فعندما تبور بضاعة نقلل من سعرها وليس العكس وإذا قررنا رفع السعر لابد أن يكون نظير خدمة متميزة فأي خدمة تقدمها الصحافة الورقية حتي توصي الهيئة برفع سعرها؟
وبأي منطق توصي الهيئة الوطنية للصحافة بتحصيل اشتراكات علي الصحف القومية والأخبار في متناول القارئ بلمسة واحدة من أصبعه لشاشة جواله يصبح العالم في متناول يديه بتقنية عالية وصورة متميزة بل هو نفسه أصبح جزءًا من الحدث يعلق عليه كما يشاء وبدون قيود بل قد يكون هو أحد صناع الحدث بتصوير الحدث وإرساله في نفس اللحظة إلي المواقع الإليكترونية المختلفة ليصبح هو بطل الحدث فما الذي سيجبر القارئ علي شراء الصحف الورقية التي زادت أسعارها دون خدمة مميزة؟
من يتصور أن مصر الدولة التي يزيد عدد سكانها عن أكثر من مائة مليون نسمة لايتعدي عدد توزيع صحفها الورقية مجتمعة أقل من 350,000 نسخة ورقية بما فيها الصحف القومية وعلي رأسها الأهرام العريقة التي كانت من أعظم عشر صحف في العالم وأخبار اليوم والجمهورية وكانت صناعة الصحافة الورقية حتي وقت قريب جزءًا من قوة مصر الناعمة(!)
من يتصور أن تويتة واحدة أو بوست واحد أو هاشتاج صغير مكون من كلمتين أو ثلاثة علي الأكثر علي الشبكة العنكبوتية يحقق ملايين المشاهدات والتفاعلات ويجوب العالم في ثوانٍ معدودة أكثر من الصحف المصرية الورقية مجتمعة؟
الصحف العالمية الكبري التي صمدت في وجه الصحافة الإليكترونية قليلة جداً علي رأسها صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية "مع تحفظي علي توجهاتها" لماذا لأنها تقدم محتوي إليكترونياً جيداً بتقنيات عالية محمي من السرقة لديها أعظم الكتاب في العالم دائماً لديها الجديد الذي يذهل العالم من "الخبطات الصحفية" فلا غرو أن تطلب من قرائها دفع أجر مقابل الخدمة الصحفية المتميزة لذلك تجاوزت المليار دولار من الاشتراكات العام الماضي مما خلق لها حجم إعلانات ضخمة ولكن في مصر الأمر مختلف لاتوجد خدمة لتطلب اشتراكات؟
جورج أورويل يلخص لنا حقيقة الصحافة في جملة فريدة يجب أن نتوقف أمامها طويلاً يقول الصحافة هي: "مالايريد أحدهم نشره وغير ذلك يعد علاقات عامة" إذن علينا أن نسأل أنفسنا أولاً عدة أسئلة.
هل لدينا صحافة حقيقية أم مجرد علاقات عامة؟
هل لدينا صحافة مهنية؟
هل لدينا صحافة حرة؟
هل لدينا صحافة بيانات وتحقيقات استقصائية عميقة ومادة خصبة تلهم القارئ وتثير فضوله؟
هل صحافتنا الورقية المتجمدة تستطيع أن تلاحق إيقاع الشبكة العنكبوتية السريع والتقنيات المذهلة والتطبيقات الحديثة التي تظهر بين الفينة والفينة؟
فبين الطبعة الورقية والأخري عدد ساعات يتغير فيه العالم يساوي دهراً لدي رواد الشبكة العنكبوتية مما يوصم الصحف الورقية دائماً بتهمة تقديم "أخبار بايتة"
أصبح الأمر أشبه بالصراع الذي بداء بين الإنسان والآلة عقب اكتشاف الثورة الصناعية التي بدأت بانجلترا وغزت العالم وانتصرت الثورة الصناعية في نهاية المطاف فالصراع الآن بين القديم والحديث بين الماضي والحاضر من ناحية والمستقبل من ناحية أخري.
ولكن السؤال الأهم الذي أوجهه إلي الهيئة الوطنية للصحافة ورئيسها الأستاذ كرم جبر ولشيوخ وأعمدة الصحافة المصرية علي رأسهم الأستاذ مكرم محمد أحمد رئيس المجلس الأعلي لتنظيم الإعلام وأستاذي الأستاذ عبدالمحسن سلامة نقيب الصحفيين كيف نناقش تطوير الصحافة الورقية في مواجهة نظيرتها الإليكترونية وليس لدينا مادة صريحة وواضحة تنص علي إلغاء حبس الصحفيين في قضايا النشر؟