يسعدني أن أتحدث إليكم في مناسبة توقيع ديوان (معالي الروح )، للزميلة زينب الشاذلي مسؤول العلاقات الدولية لهيئة الحوار الثقافي الدائم فرع مصر ، بعد أن غاب عن الكتاب جمهوره ، ، في هذا الوقت الذي ينتشر فيه الغزو الثقافي كالجرب في ضمير هذه الأمة ،وها قد أتينا لنؤكدعلى أهمية تلازم الثقافة مع جوهر اهتمامات الإنسان والمجتمع ، وعلى أن الثقافة كانت وستبقى جزءاً رئيساً ، ومحركاً فاعلا في الحركة الفكرية الانسانية المعاصرة ،أخواتي وإخوتي ، إن الوطن العربي لن يقومَ إلا على سواعد أبنائه المثقفين، وصدقِ عزيمتِهم.
وبعد ...
ها نحن اليومَ نحتفلُ بولادةِ كتابٍ جديدٍ من رحمِ التجربةِ الغنيةِ للكاتبةِ المتميزةِ زينب الشاذلي ، وبهذا نرانا نحتفلُ بالابداع ،، اذنْ لنجددَ عهدا بين مصرَ والأدبِ توثقتْ أواصرُه ،، ، كي يبقى الكتابُ وجهَ الوطنِ المشرقْ بالرجاءِ والجمالْ، وقلبَه العامرَ بالحياةِ والمحبةِ ، وفمَه الناطقَ بالفكرِ والحقيقةِ . ..ويبقى أيضا موطناً رحباً للعطاء والثقافة،
أخواتي وإخوتي
نلتقي اليوم لنهنئ أنفسنا بالشاعرة المبدعة زينب الشاذلي ابنة الصعيد الشامخ التي نسجت باكورة أعمالها من حاضر جميل تعيشه بين الفرح والتأمل، واليومَ نراها في قمةِ العطاء، كتبت مفردات تكوينها بحبر الابداع، وها هي تستحضر مسيرتها الشعرية والأدبية الانسانية مكللة بانتسابِها لهيئة الحوار الثقافي الدائم، التي مثلتها على منابر الشعر حيثما حلت بكل فخر واعتزاز .
إبتعدت عن رتابة قد تحد من عبور العقل الى الفضاء الأرحب مع دفق كلماتها العذبة التى لامست وجداننا ,فأزهرت ذاكرتُها حساسيةً تبرعمت فكراً نقياً على مساحةٍ روحيةٍ وجدانيةٍ انسانيةٍ غير محدودة، فالتزمت الشعر الهادف سلوكاً الى مدى راح يُنبت ابداعا ووقاراً مجرّداً من كلّ ادعاءٍ وتزلفٍ أو مديحْ، بل جديةٍ ورومنسيةٍ شاعريةٍ أصيلة، فانبثق عطاؤُها المستمد من عبير الياسمين ومن ورد الجنائن ومن روحية المعطاء الى الجمال ••
تنزّهت زينب عن كل جموح وجنوح ، أخرجَت المعاني من مضامينِها فأصبحتْ قيماً ذاتَ قيمةٍ فكرية ٍأدبية ْ، بمفرداتِها الجميلة ، وتلمسُ العزاءَ في الكونِ الذي علمناه بتجاربتها ، حاولَت شاعرُتنا أن تخرجَ من حالةِ الركودِ المحيطةِ بها والهوانِ الجماعي، لتمضيَ في رحلةِ البحثِ عن هويتِها الخاصة ْ، بقوةِ المنتصرِة على السلبيةِ ، فراحَت في كتاباتِها الشعرية في هذا الديوان الذي جسّدَت بقصائدِه الوجدانية أجملَ المقطوعاتْ، ثم قرأنا الغزليةَ الوطنيةَ التي راحت تنمُّ عن حبِها وإخلاصِها لوطنِه عامة ً ولرسالتِها بشكلٍ خاص. كلُ هذا ظهرَ بكتاباتِها التي سعت من خلالِها الى إنارةِ الدربِ في وجهِ من يسعىَ الى الحياةِ الكريمةِ بوطنيةٍ صادقةٍ سطّرَتها بمدادِ قدرةٍ ظاهرةْ، وعبَرَتْ منها الى شعرٍ جزلٍ , متينِ السبكِ , محكمِ العبارة ْ .فأجادَت بأسلوبِها السهلِ الممتنعِ الذي نمَّ عن شخصيةٍ مرحةٍ إيجابيةٍ في عالمِ الكلم ْ.
إن النص الشعري الصادق الأصيل صورة حية لحياة قائله ، ومرآة لعواطفه ، وخلجاته النفسية ، وفي ديوان الشاعرة زينب الشاذلي "معالي الروح" الذي احتوى على مجموعة من القصائد ، والتي طرزت بعناوين منتقاة بعناية لتناسب روح القصيدة ومضموها وقضيتها المركزية، ومن تلك العناوين " ليه - الموت والحياة - روح الهوى - نغم - الصبر - صوت الأمان- كان لازم - سحقا لجنونك وجنوني - بصراحة... ولا يغيب عن الأذهان تطعيم بعض القصائد بالروحانية التي أضفت رونقا وجمالا على القصيدة مثل قصيدة صوت الأمان الله أكبر
هو دا صوت الأدان
صوت الأمان
اللي جمعنا كلنا
الله أكبر
رحنا لبينا الندا
و ف كل خطوة تهزنا
الله أكبر
وقد استطاعت الشاعرة نقل خلجاتها النفسية كما تحسها ، وم خلال قصائد فريدة تصور الحزن والشكوى والعتاب واللوم والشوق والحنين ... وفي قصيدة الموت والحياة امتزج وجدان الشاعرة بوجدان الأمة ، فعبرت في قصيدتها عن شدة حبها لمصر فتقول :
الموت حياة
فرحة طارت ف السما
سبقت بتسجد للإله
ربي علّمها ف كتابه
يوم وجعها
تقول دموعها
لا إله إلا الله
كما نلمح الروح الرومانسية في العديد من القصائد ، حيث طعمتها بلوحات فنية رائعة ، وجعلتها تتحرك وتنطق وتحس بمعانٍ ذهية مجردة في خيال خلاق مبدع :
والكمان
لما بيعزف
يرتعش صوت الحنان
و الندى
يرخي الستاير
يخطف البال اللي داير
فوق خدود الورد
بان
غصن بان .
لقد جعلت الشاعرة من كلماتها معان مقدسة عامرة بالحب والحسن والجمال ، مفعمة بالعواطف والحنين والأشواق والغرام ، وكل القصائد تجربة فريدة متميزة لم نعهدها بالشعر العامي والشعر الغنائي بمثل هذا التدفق العاطفي المفعم بالرؤى والأشواق والصور المؤثرة الشفافة ، وما قصائد الديوان سوى صورة من صور الرومانسية التي تتسم بالغربة النفسية وحب الحياة .
انا بابكي ف احضانكم
و الحزن فاق الوصف
قلب العرب واحد
يكفي الإله شاهد
إيد الخسيس عادت
تقطف ورودي قطف
لقد أبدعت الشاعرة زينب الشاذلي من نواحي عديدة كالناحية الفنية والإشارات الموحية ، والترابط العضوي الذي ربط بين قصائد الديوان مجتمعة ، وكذلك الأجواء النفسية التي عاشتها الشاعرة والإيحاءات اللفظية من استعارة وطباق ومحسنات إبداعية قد حفل بها الديوان كله.
تبكي عينيا الدار
لما شوقي دار
و اتغربلت أسرار
وقعت على جروحي
حبة بلون مهجتي
حبة بلون النار
اللي كوت روحي
كوني برد و سلام
في العلاقة بين الصوت الغنائي والباء الدرامي تنمو القصيدة وتتشكل عبر مجموعة من التداعيات فتبرز التفاصيل ، وصوت الشاعرة يقودنا من مقطع لآخر محكوما بعامل الذاكرة ، وعامل الأحداث. لقد شكلت الصورة الشعرية لدى شاعرتنا الوحدة الأساسية في الديوان ، والقصائد تراكم صوري يقيم توازنا داخليا ، والصورة تحاول الإيحاء فهي مزيج من الحلم والحقيقة ، إضافة إلى ذلك فقد شكل التكرار عند الشاعرة مرتكزا أساسيا في بعض القصائد ، ويؤكد التكرار على أهمية الكلمات ودلالاتها الخاصة ، كما انه يمنح القصيدة إيقاعا خارجيا .
فهي أشبه باللازمة الموسيقية التي تضبط الإيقاع العام وتعطيه مدلوله ، ومن دلائل التكرار لدى شاعرتنا ... الله أكبر - الروح- بكره - صراحة - المادة ... وختاما فالإيقاع في قصائد الديوان هادئ حزين والموسيقى التصويرية التصويرية حافلة بالحب والجمال والشوق والحنين ، أما أسلوب الشاعرة فقد اتسم بالرقة والعذوبة بعيدا عن الصناعة والتكلف مما أضفى عليها رقة إلى رقة وعذوبة إلى عذوبة .
زينب الشاذلي شاعرةٌ مميزة أبدعت في معظمِ الأغراضِ الشعريةِ , كالحكمةِ والغزلِ , والرثاء .. وغيرها ، وفي الختامِ ،،،لا يسعني إلا أن أتوجه بخالص شكري الى كل من ساهم في إنجاز وإنجاح هذا الإحتفال ... كما أتوجه بعظيم الإمتنان الى جميع الزملاء فردا فردا، فَهُو تَقدِير مِنهم، لمكَانَةِ الثقافة .
والشكر موصول لكم ولمصر هذهِ البلدة العَرِيقَة الجَمِيلَة التي تُنِيرُ بإشْعَاعِهَا الثَقَافي عَلَى المنْطقَة والعَالَم، والتي تُشِعُ بألوَانها الزَاهيَةِ في فَضَاءَات الثَقَافة الرَحبَة ، لتَزدَادَ مَكَاسبُ الوطن الثَقافية بمَا تَحَقَقَ ويَتَحَقَقُ اليَومَ، عشتم ،عاش الكتاب ،عاشت هيئة الحوار الثقافي الدائم، عاشت مصر.