هنا القاهرة والعشق

هنا القاهرة والعشق

عندما تعصف بي الحياة وتشتد بي الخطوب أهرول إلي القاهرة لأغسل همومي وأحزاني أشد الرحال إلي قاهرة المعز لدين الله الفاطمي لشحن وقود بطارياتي بالأمل والعزيمة حيث الأزهر ،والحسين ،والغورية ،والموسكي ،والحمزاوي ،وشارع المعز أجمل وأكبر وأعظم متحف مفتوح في العالم يحوي أهم آثارنا الإسلامية.

كان جدي لأمي يسكن منطقة القلعة وكنا نقضي كل إجازة بين أحضان جدي وجدتي وأخوالي.

هنا كان أول نقش حفر علي جدار قلبي ،هنا يسكن حبي الأول بنت الجيران التي كانت كقطعة من القمر ،كانت أجمل لحظات حياتي عندما تطل علينا من شرفتها الأرابيسك كحورية من حوريات الجنة فتضىء المكان والزمان والوجدان وعندما تقرر النزول إلينا يرقص قلبي طرباً وفرحاًً ،وعندما تغادرنا يتوقف قلبي عن النبض ،كان بيتها علي الطراز المملوكي يشبه جمالها الذي انقرض فلم أر شبيهاً له ولها.

رويداً رويداً تجاذبنا أحاديث الطفولة والبراءة واقتربنا من بعضنا البعض وبعد فترة وجيزة صرنا كالتوأم لانلهو إلا معاً ولكن كالعادة تنتهي اللحظات الجميلة كلمح البصر بانتهاءالعطلةالصيفيةفنفترق ،فما أصعب لحظات الرحيل والفراق.

تمر السنون وألتحق بجامعة الأزهر بالدراسة في قلب القاهرة الإسلامية ندرس التاريخ بين أحضان التاريخ وأريج الأجداد ونفحات العلماء في كنف الإمام الحسين وآل بيت الرسول (صلى الله عليه وسلم) رياحين الجنة والقاهرة معاً ،مآذن عالية شامخة متوجهة إلي السماء تلهث وتتضرع بالدعاء لمصر وللشعب المصري ليل نهار فهم أحد أسباب البركة والأمن والسكينة والطمأنينة لمصر وللمصريين.

تكتمل متعتنا عندما كانت تجتمع الصحبة لنختلس أجمل لحظات العمر علي قهوة الفيشاوي فما أروع جِلسة الأصدقاء.

كنا نعرف سر القاهرة فننتظر ليلها فجمال القاهرة يكمن في ليلها بعدما يغادرها زوارها من العمال والموظفين وأصحاب المصالح الحكومية المختلفة من كل المحافظات ومن كل حدبٍ وصوبٍ فنختلي بها وتختلي بنا نخاطبها وتخاطبنا كعاشق يسامر ويغازل محبوبته ،نستنشق أنفاس الأجداد فتدب الروح في الجسد وتعود إليه القوة من جديد.

كانت الحيرة تتملكني عندما يحين موعد الصلاة هل أصلي بين جدران العمارة الفاطمية التي أهواها أم أصلي في العمارة المملوكية التي أعشقها ومازلت منبهراً بها ويزداد شغفي لها يوماً بعد يوم ،علي كلٍ كان الأمر محسوماً إما الصلاة في الحسين أو الأزهر أو مسجد السلطان حسن وأحيانا مسجد الرفاعي الذي يجمع بين حداثة أسرة محمد علي والطراز المملوكي.

كانت متعتي عندما أقف بين جامعي الرفاعي والسلطان حسن وخلفيتي القلعة فأشعر أنني أعظم سلاطين الدنيا ممتطياً بساطها السحري وأحكم هذا العالم.

لم التقها منذ الطفولة ولم تواتني الجسارة إلي الآن للسؤال عنها فما أجمل أن يعيش الإنسان علي براءة الذكريات دون أن يكدرها شئ.

ترحل الأجساد وتبقي القاهرة مدينة السحر والجمال والألغاز والحكايات والأساطير لملايين العشاق المنسيين الذين تاهوا وتاهت قصصهم بين دروب الخيال والزحام ولم تنتشر قصصهم فقد وعدتهم القاهرة بحفظ سرهم وذكرياتهم بين لبناتها ودهاليز جدرانها فهم وحدهم دون غيرهم القادرون علي فك شفرتها وطلاسمها.

مقالات مشابهه

من قسم آخر


التقيمات

راديو القمة

radio

الأكثر قراءة

فيس بوك

a
;