ستة وستون عاماً انقضت وثورة 23 يوليو ما زالت حاضرة بإنجازاتها ودورها وقيمتها، وأيضاً بعثراتها وكبواتها.. وهذا هو سر الثورات العظيمة التي تغير وجه الخارطة السياسية والاجتماعية وترسم ملامح المستقبل بإرادة التغيير، وتعطي المعنى الحقيقي للحرية بمعناها الواسع، أي حرية الإنسان والوطن. هذا بعض ما حققته ثورة 23 يوليو التي قادها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، عندما كان هدفها الأول تحرير مصر من الاحتلال البريطاني وإنقاذها من فساد الحكم، وانتشال الشعب المصري من براثن الإقطاع وترسيخ العدالة الاجتماعية. لقد واجهت ثورة يوليو منذ انطلاقتها هجمات ومؤامرات عاتية، بهدف إجهاضها لأنها كانت تشكل خطراً على كل ما هو سائد في زمانها من استعمار وانتداب وتخلف وتبعية، لأن مشروعها السياسي كان يهدف لإطلاق شرارة التغيير بمعناه الحضاري، بما يتجاوز مصر إلى المنطقة العربية، وإلى ما هو أبعد من ذلك. لقد حملت ثورة 23 يوليو مشروعاً عريضاً كان مخططاً له أن يغير وجه مصر والأمة العربية، من منطلق الإيمان بقدرتها على صنع قدرها ومستقبلها بنفسها، وأن تخرج إلى العالم كأمة قوية قادرة على أن تكون متقدمة في مختلف الميادين. لقد حققت ثورة يوليو الكثير من الإنجازات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فحققت تأميم قناة السويس وجلاء الاستعمار البريطاني، والإصلاح الزراعي، وأقامت قاعدة صناعية، وبنت السد العالي. وشكلت ثورة يوليو قبساً لحركات التحرير العربية والإفريقية، ولعبت مصر دوراً ريادياً في مقاومة الاستعمار، وأدواراً ملهمة في قيادة حركة عدم الانحياز. وفيما كانت مصر تشق طريقها لبناء قدرات عسكرية متطورة تعرضت لعدوان ثلاثي من جانب إسرائيل وقوتين عظميين هما بريطانيا وفرنسا لأنها كانت تشكل نواة حركة تغيير في المنطقة قد تقضي على ما هو قائم من انقسام وتجزئة، تمهيداً لقيام وحدة عربية يمكنها أن تنجز مهمة القضاء على الوجود «الإسرائيلي» الذي تم زرعه من جانب الاستعمار كأداة تفصل المغرب العربي عن مشرقه. ثم كان عدوان 1967 آخر محاولة لإجهاض الحلم والمشروع، لكنه كان في الوقت نفسه درساً لتصحيح الأخطاء القاتلة التي ارتكبتها مراكز القوى داخل النظام، حيث أعاد عبد الناصر تنظيم الجيش على أسس من العلم والكفاءة والقدرة لاستعادة ما سلب من أرض، وخاض حرب الاستنزاف، استعداداً لحرب التحرير، لكن القدر لم يمهله وانتقل إلى رحمة الله، فأكمل الجيش المصري المهمة في حرب أكتوبر 1973، وكانت معركة العبور واحدة من أعظم معارك التاريخ التي سجل فيها الجيش المصري نصراً سوف يبقى فريداً ومستحيلاً ومعجزة في المعارك العسكرية. ورغم الاخطاء التي ارتكبتها الثورة الا انه يجب ان لا نمحو ما تحقق من إنجازات عظيمة، أو أن يتحول الحقد على الثورة وعلى شخص الرئيس جمال عبد الناصر إلى حقد على مصر.. فلا توجد ثورة في العالم بلا أخطاء، والثورة من صنع البشر ...والبشر كما يصيبون فهم يخطؤن.