في أواخر التسعينات ذهب الشاب نبيل للعمل بمنطقة الصعيد والتى تبعد كثيراً عن مسقط رأسه فهو من إحدى محافظات وجه بحرى ذهب وهدفه الوحيد هو التركيز فى عمله فقط وكيف يؤديه على أكمل وجه وأثناء عمله الشاق الذى يحتاج منه الجهد الجسدي والعقلي
كان نبيل يؤجل أمورا كثيرة فى حياته إلى أن ينتهى من عمله ويحصل على أجازتة الشهرية استمر نبيل فترة ليست بقصيرة ذهابا وعودة من مسقط رأسه إلى مكان عمله بالصعيد ولا شيئ يشغل باله سوى عمله إلى ان جاء إليه الطوفان الذى لا يستطيع أى إنسان التصدى له لجبروته وقوتة العنيفه التى تكسر كل القيود الحديدية المحيطه بقلوبنا إنه طوفان الحب.
كيف حدث ذلك وكيف استطاع هذا الطوفان قلب حياة نبيل رأس على عقب ؟؟
فى يوم من الأيام وأثناء تواجد نبيل في عمله كان يبحث عن رقم هاتف أستاذ محمود ليستعين به فى عمله وبالفعل اتصل به ولكن رد على الاتصال صوت أشبه بالأصوات الملائكية التي قرأ عنها في روايات وأساطير العشق فتحدث إليها نبيل وسألها هل هذا الهاتف ملكا لأستاذ محمود فأجابته ميريام بصوتها الجميل الخافت الرقيق وقالت له لا ليس هذا الهاتف ولا الشخص الذى تريدة فتأسف لها نبيل وقبلت الفتاة منه الإعتذار .وأغلقت الخط بينها وبينه.
ولكن الأمر لن ينتهى فجلس نبيل فى مكانه وبدأ يسرح ويفكر فى هذا الصوت الملائكى الذى هز كيانه لأول مرة فى حياته بل أخرجه من روتين العمل الذى لازمه فترة طويلة وظل مشغولا بتلك الفتاة وأستمر صوتها معلقا بخياله يوما بعد يوم ثم قرر أن يتحدث إليها مرة أخرى ولكنه أصيب بالحيره وسأل نفسه كيف يتصل مرة ثانية وماهى الحجه التى يتحدث بها معها حتى يسمع صوتها ويتعرف عليها فجمع نبيل كل نقاط الشجاعة بداخله وبرغم تسارع دقات قلبه وعدم انتظام نبضاته إلا أنه أخذ القرار وقام بالإتصال بها .
فقامت ميريام بالرد عليه فبدأ حديثه معها بأنه ظل يفكر كثيرا كيف يتصل بها مرة أخرى حتى يتحدث إليها ويستمع لصوتها ويتعرف عليها فصمتت ميريام عن الكلام وتوقف نبيل بضعة ثوانى وقلبه ينبض بشدة خوفا من أن تصدمه ثم قال لها لماذا هذا الصمت هل تعديت حدودى وأخذت القرار الخطأ فكانت المفاجأة عندما أجابت عليه وقالت له قرارك صحيح ولكننى التزمت الصمت من دهشتى بسبب هذه الأحداث لأننى بالفعل بعد مكالمتك الاولى كنت أنتظر منك هذا الاتصال لأتعرف عليك لان صوتك كان قريبا لقلبي وبدأت افكر كثيرا هل سيتصل بي مرة ثانية الأمر الذى أسعد نبيل وشعر بالحب لأول مرة بحياته واستمر الحديث بينهما كبداية للتعارف وكانت المفاجأة هى أن ميريام تنتمى للدين المسيحي الأمر الذى صدم نبيل وميريام وجعل ارتباطهما مستحيل علم بأنها ليست ولكنهما سرعان ما نسيا هذا الأمر واستمروا فى علاقتهما فى هذا الشأن وجعلا رباطهما فى الحياة هو الحب ولأن طوفان الحب عنيف فاستسلما للأمر وتوالت الاتصالات اليومية بينهما وكل يوم يزداد عن اليوم الآخر حبا وعشقا بينهما فطلب منها نبيل أن يقابلها ولكنها رفضت بسبب العادات والتقاليد وخصوصا أنها بنت الصعيد وكان فى ذاك الوقت لا يوجد اى اتصال سوى الهاتف وأيضا لا يوجد اى برامج للتواصل الاجتماعى حتى يراها من خلال صورة كما يحدث فى هذه الأيام وبالرغم من شدة وقوة إشتياقهما لرؤية بعضهما البعض إلا انها إحترمت مبادئ وتقاليد عائلتها وهو أيضا إحترم رغبتها وأكتفيا الاثنان بالتحدث تليفونيا لفترات طويلة وأشتعلت شرارة الحب بينهم إلى أن حدث الحدث الكامن الذى كانوا لايشعرون بوجوده بسبب طوفان الحب الذى جمع بينهما ..
إلى ان جاء عيد الميلاد المجيد وزينت الكنائس ودقت أجراسها وذهب الأقباط لأداء طقوس القداس الالهي لديهم وتجمعوا في الكنيسة وتبادلوا التبريكات والتهاني بقدوم العيد وهنا رآها ممدوح الذي أعجب بها وعلى الفور تقرب لعائلتها وتعرف عليهم وجمع كل المعلومات عنهم ثم طلب منهم زيارتهم ببلدتهم حتى يتعارف العائلتين وبالفعل قام هذا الشاب بعد أيام من انتهاء العيد واصطحب عائلته وذهب إلى عائلة ميريام للتعارف والتقارب أكثر وأكثر إلى أن تحدث الشاب مع والدها وقام بطلبها بالزواج على الفور وافق أهلها لانهم وجدوا فيه الرجل المناسب ليكون زوجا لإبنتهم فالبنت حسب تقاليد عائلتها ليس لها رأى آخر وخصوصا أنها على علم بأن حبها لنبيل المسلم لن يكتمل بسبب إختلاف الديانه بينهما فقامت ميريام بالاتصال بنبيل وسردت له القصة الجديدة التى واجهتها بحياتها وأنها لن تستطيع أن تغير من الأمر شيئا فانهمر نبيل فى البكاء ثم تماسك بعض الشيئ وتمنى لها حياة سعيدة فى حياتها الجديدة والتزموا برغم الحب الكبير والعميق بينهم بالعقيدة والظروف المحيطة بهم فانتهت المكالمات والاحاديث بينهما ولكن لن ينتهى الحب وسيظل قائم فى قلوبهم وهذا ما عاهدوا أنفسهم عليه على أن يكون هذا الحب ذكرى جميلة لا تنسي ومخلده طوال حياتهم ثم ذهبت ميريام لحياتها الجديدة وتزوجت وعاد نبيل إلى عمله مرة أخرى بكل اهتمام وتركيز ولكن أصبح حب ميريام مطبوعا بقلبه يتذكرة وقت راحته من العمل وجلوسه منفردا ليعيش وقتا جميلا مع ذكراه الجميلة ومرت الأيام على نبيل حتى وجد نفسه وحيدا وأن تركيزه فى عمله فقط سيأخذ من حياته الكثير ولكن الحياة ليست عمل فقط وانما الحياة هى أسرة متكاملة فبدأ يفكر بالزواج حتى تزوج إبنة عمه وأنجب منها ومرت الليالى والايام والشهور والأعوام وذكرى حبه مازال يسكن جدار قلبه وبعد مروراكثر من أربعة عشر عاما مرت من حياته تغيرت الحياة بشكل سريع وأصبحت التكنولوجيا هى أساس المجتمع وقد ظهرت برامج كثيره حول العالم تقوم بتقارب المسافات بين الجميع على مستوى انحاء العالم أجمع ثم ظهر برنامج التواصل الاجتماعى الذى لفت انتباه جميع البشر وفى يوما من الايام كان نبيل يتجول بصفحتة الشخصية والصفحات الأخرى فوقع عينيه على صفحة تحمل إسم إمرأة متزوجة هى نفس إسم فتاة الصعيد التى تعيش معه حتى الآن بداخله وبحبها والمدهش فى ذلك هو انه اكتشف أنها من نفس بلدة حبيبته وأيضا نفس الديانه فأرسل لها على الفور طلب الصداقة وسرعان ما قبلت هذه المرأة صداقة نبيل والذى بدأ يتقارب منها حتى يتعرف عليها مع العلم بأنه لم يرى ميريام التى أحبها حتى تلك اللحظة الذى تعرف فيها على هذه المرأة وبدأ ينشغل بهذه المرأة كثيرا ويتجول صفحتها الشخصية على أن يجد أى إثبات ليثبت لنفسه وأمام احساسه بأنها من الممكن أن تكون هى هذه الفتاة وأن القدر بدأ يلعب لعبته ليتقابلا مرة أخرى بعد فراق هذه السنوات وعندما فشل نبيل من الحصول على اى معلومات عنها بدأ يحادثها عن طريق الشات وبالرغم من أنها نوهت له بأنها لن تستطيع الرد على رسائله حيث أنه من مبدأها عدم الرد على الرسائل الا ان الفضول يكاد أن يفتك بنبيل للوصول اليها حتى يتعرف عليها ومرت الايام وهو يراقبها ويبدوا أنها استشعرت ذلك وبدأت تنشغل باهتمام نبيل لها ففى يوم من الايام كان هناك حادثا إرهابيا وقع بالقرب من الكنيسة التي كانت تذهب اليها ميريام فاستغل نبيل هذه الظروف وارسل لها رسالة إطمئنان عليها وبالفعل لا تجد سوى ان تتجاوب معه وتشكره وبدء يوما بعد يوم يرسل لها بعض كلمات التحية والاحترام الى ان وجدت فيه الشخصية المحترمة المهذبه فبدأت على فترات متباعده تتجاوب معه الحديث وهى حريصة كل الحرص على عدم حدوث اى مشاكل تحدث لها وسط عائلتها وخصوصا أنها متزوجة ففى يوم من الايام طال الحديث بعض الشيئ بينهم وبدأ يسألها من اى مدينة بالصعيد ومتى تم الزواج فكانت المفاجأة الكبرى لنبيل هى أنها تزوجت نفس تاريخ زواج معشوقته فجن جنون نبيل وبدون تفكير سألها هل تعرفيننى من قبل فكان ردها عليه لا انا لا اعرفك الا قريبا من خلال صفحات التواصل الاجتماعى ولكن نبيل لا يقتنع بهذا الكلام وأقنع نفسه بأن التى يتحدث معها هى فتاة الصعيد التى لازال حبها مسيطرا عليه حتى الآن واستخدم قوة الشجاعة بداخله واعترف لها وكأنه على صواب بأنها هى الفتاة التى يقصدها فشعرت المرأة بالحرج وقالت له أنها لا تعلم شيئ عن هذه القصة التى تقولها وبالرغم من ذلك ظل نبيل على يقين تام بأنها هى فتاة الصعيد التى يحبهاحتى الآن..وبالرغم من ذلك الحديث مع هذه المرأة إلا أنها لن تتأثر من كلامه أو تبتعد عنه بل ساعدته فى امور كثيرة واكتشفت فيه موهبه مدفونه واخرجتها الى النور فهى أرتبطت به كرباط شخصى يتميز بالأخوة والاهتمام لانها وجدت فيه الروح الجميلة وشهامة الرجل وبرغم كل احاديثه معها ومحاولة شد انتباهها الى قصته إلا أنها رفضت أن تخسره واستمرت معه من أجل بقاء علاقة اخوية كبيرة وهو أيضا قدر ذلك ولكنه حتى الآن يعيش فى وهم حبه لفتاة الصعيد.....وإستمر معه وبقلبه حبه الذى لن ينتهى حتى الآن حفاظا على العهد الذى كان بينه وبين حبيبته...فتاة الصعيد
وهكذا هو طوفان الحب الذى يمتلك القلوب ويصل بها إلى بحور الأوهام عندما يتفرقا الطرفين في بحر الحياة...