سمفونية كارمينا ترجمت ثلاث مرات لكل مرة تكون الترجمة مختلفة فكيف الرابعة؟ يظهر ان الدولاب سيدور والقدر سيعري عذراءه!
ذكر الراغب الاصفهاني : (نظر عباديُّ الى رجلٍ في عينه جربٌ فقال : أعطني مئة درهم أصف لك دواءً. فقال : افعل . قال : خُذْ ورق المدر ، وعرق الحجر ، واسحقهما وأكتحل بهما سبع سنين ، فإن لم تذهب عينك فخذني به ! فرفع الرجل رجله وضرط عليه ضرطتين وقال : خذ هذين الدرهمين فان نفع دواؤك زدناك ! )
يمكن ان نضع معيارآخر ، رجل أعمى يعيش في الضوء ، في النهار ضوء الشمس ، والليل ضوء المصابيح وبما انتج العلم من قوة الإنارة ! ورجل آخر حاد البصر لكنه يعيش في الظلام لا شمس في النهار ولا مصابيح الليل ! ما الفارق بينهما ؟
مشكلة العباديِّ ان عينه جرباء يرى فيها الأشياء لكن محاطة بالمرض ، الا انه يميز فيها الحجر ويبتعد عنه كي لايعثر ، ومشكلة الاعمى انه لايرى الحجر لكن الأضواء الساطعة تجعل بعض الناس تمسك بيده ، وان عثر بحجر التفت اليه بعضهم وقاهرمن الحجر الآخر،لكن مشكلة حاد البصر التي ليس لها علاج الا ان تكون هناك أضواء ان كانت شمسا او مصباحاً لان الظلام الذي يعيش فيه يعيش الناس معه ويشاركه بحدة البصر وبالظلام فكانت النتيجة ليس يعثر بالحجر وحسب بل يصدم بعضهم بعضا على الرغم من ان الجميع مبصرون .
سنتحدث عن الانتخابات والناخبين والمرشح بلغة الأرقام ، ونترك العاطفة ، والتحولات العقلية بالصالح ، وبدفع الطالح من الحكم ، ليس اننا نعيش فقط بظلام ، لاينفع بنا حد البصر ، لأننا من الظلام المستمر فقدنا البصر وحتى لو طلعت لنا الشمس لانراها او سُلم بيدنا المصباح لانهتدي به .
العملية السياسة الان ، تقوم على ثلاث قوائم ديمقراطية ، المرشح ، وناخبينه ، والنظام الذي يدور في فلكه الجميع ، ويظهر لأي ناظر ان المسافة بين الثلاثة بعيدة ويحتل كلهم الضبابية والتخبط في المسيرة ، مع غياب الوعي ، الذاتي والجمعي ، كما ان غياب الجميع من وعي التاريخ ، ولم يستفادوا منه لا من تاريخ عاشوه وعاصروه ولامن تاريخ قرأوه او تناقلوه كأرث على كاهلهم من الأجداد الى الإباء والابناء.
المرشح كنقطة تدور في المجتمع اكثر النقاط ضبابية ، لانه خرج من رحم الناخبين الذين يبحثون عن حل وهم يعيشون معه بكل الظروف لم يستطع اخراج نفسه من العتمة التي تصيب نفسه ، لذا نراه حتى بدعايته مبتذلة ، فهو بعيد عن الوطن ، ودعايته الانتخابية تشبه دور الأزياء يجذب الناظر للون والموديل والماركة التي تمثلت بالاحزاب بين القوية التي اتخمت بسرقات الشعب والهزيلة التي تبحث عن منهل تجده صافيا وحقل معشب مخضرّاً، لم نجد أي مرشح اهتم بالإنسان ، او مرشح اهتم بالوطن او كلاهما في دعايته ، بل وصل بعضهم بالابتذال حتى التسفل ، والتطاول على القانون ، بل على المعتقدات ، في اغراء منه لرؤية لونه المفضل وعارضته الممشقة بزيف التصنع والتجميل ، كما سمعناه من رئيس قائمة تمدن وهو يتطاول على القانون ويقول تحت حذائي .
لم نسمع من أي مرشح انه قال : لامجال لصورتي الانتخابية بوجود صور أطفال لم تبلغ الحلم هبت للدفاع عن وطنهم ، او شيوخ تركوا ما جنوه من رحلة حياتهم ليضحوا من اجل الانسان والوطن ، وشباب حملوا ارواحهم على اكفهم ونزعوا لذة الحياة والامل ببناء اسرهم ، وظل الجميع يسقون بالدم ارضهم ويصبحون مصابيح يهتدي به الجميع ... فلم نجد أي مرشح يعتمد الدعاية بالعمل لا بالقول كذلك وليس بطباعة الصور والكارتات وغيرها ...
( فلو) ان كل عشرة مرشحين بذلوا مصروفاتهم التي تتراوح لكل فرد من ١٢ مليون الى مليار في بعضهم ( مليون دولار) على ان نأخذ بالاعتبار ان كل مرشح يصرف ١٢ مليون فان كل ١٠ مرشحين بستطاعتهم بناء مدرسة من ستة صفوف ، بطراز المدرسة المكشوفة ( الصفوف المتقابلة ) بكلفة ١٢٠ مليون لكل مدرسة ، ويمكن ان يكونوا مختلفي الاطياف والاحزاف والرؤى ، ويحضرون للمنطقة التي تبنى بها المدرسة او المستوصف ( المركز الصحي ) ويبدأ التناظر والمجتمع يسألهم ويتركون المجتمع وهو الذي يختار حسب القناعة ...
لم نسمع بمرشح قام ببرنامج من اجل الزراعة وانعاشها بالبلد ، وخاصة ان اكتاف الأنهر في العراق تحولت الى بنايات بل ان هناك بساتين نخيل انجرفت وارضي زراعية خصبة تحولت الى دور سكنية بمباركة الدولة ( الحصة الأكبر ) ومباركة الفلاح الذي اخذ يبيع ارضه بثمن بخس لان بلدية المدينة المجاورة تهدده انها ستتوسع عليها وتوزعها قطع أراضي .. لم اجد ولا مرشح انتبه لهذا ولو استمر هذا( السلب ) للارضي بعد سنوات ومع التضخم السكاني وعدم حل المشكلة سنجد ان العراق ليس لديه اكتاف الأنهر ، وليس لديه ارض زراعية ..
لم نسمع باي حزب او كتلة او مرشح ، عمل مصنعا ، او تكلم بسلوب واقعي عن المصانع والصناعة وانهاء البطالة ، او تطوير الصناعة ، وكان بإمكان المرشحين باموال دعايتهم ان يبنوا مصانعا بدل البوسترات التي كلفتهم الملايين... علما ان المفوضية أعلنت ان المرشحين الفعليين ٦٩٨٦ أي مايقارب ٧٠٠٠ مرشح واضرب الرقم ٧٠٠٠في ١٢ مليون كأدنى حد ، وبهذا تعرف كم يمكن لنا ان نبني العراق ، إضافة الى صرفيات المفوضية ، والدوائر الحكومية والموظفين الموقفين للانتخابات
في كل هذه ومئات من المقترحات ، لم نجد أي مرشح حتى في صورته ان يشعر بالمدينة ويزرع شجرة في الطريق وبقربها صورته المصغرة ...
لم نسمع من أي مرشح انه نحت تمثالا لشهيد او رمزا للشهداء وكتب اسمه تحت قدمه ، او على الأقل طبع صورة شهيد وكتب تحته بلون خافت : صورتك ابهى لانك من جعلت العراق منتصرا ، خادمك المرشح : فلان
لم يعد هناك متسع لهذه المقترحات كنت اتأمل ذلك حتى من طالبني بكتابة المقال اجيبه سأكتب قبل الانتخابات عسى وان اجد مرشحا بحث عن الانسان ، او وجد الوطن بقلبه فرسمه ، فاكتب عنه ان هناك من كان يبصر ولم يعيد نفس السميفونية التي تكررت لسنوات ولم نجد فيها غير الحرب والقتل والحزن والالم ...
اما الناخب فهو بدوامة الظلام يدور وقلة من يعي المرحلة ، لان الجميع ينتظر من يقل له انتخب فلان ، وان لم يكن متحزبا ، او من فئة ، او من عشيرة ، فانه ينتظر ، ومازال الانتظار هو خبز العراق المنشور على مائدة الأمل ...
لم يعد للناخب ثقافة خاصة تعينه على الانتخاب او الاختيار ، لانه مازال يبحث عن من يدله او يسمي له المرشح ، او انه ما زال يجامل من اجل العشيرة او الصداقة او الدين ، او الحزب ، وبهذا يمكن ان تكون اكثر الأصوات هي مجاملة او يمكن ان نطلق على الانتخابات انها انتخابات مجاملة .
لم يستفد من ينتظر من الحوزة العلمية ( علماء الدين ) في الانتخابات السابقة حين ناشدته الحوزة ان يختار الاصلح ظنا منها ان المواطن سيختار حسب الحق لان الاصلح بالطبع لو فاز حتى لو كان ضمن قائمة فاسدة يمكن له بعد تسلمه القرار ان يصلح حزبه او تياره او كتلته ، لكن كانت توجيهات الاصلح جاءت بنتائج عكسية حينما انتخبت الناس الافسد عندما استخدم العبارة السياسي لصالحه ، فنطقت هذه المرة الحوزة بعد مرارة الأربع سنوات نتيجة انتخب الاصلح ، افتت بعبارة أخرى : المجرب لايجرب ، واضحة جدا الا ان المجتمع لم يفهم ليس لانه لم يدرك بل لانها لايريد ان يفهم ، فطالب الحوزة وضغط عليها ان توضح واي إيضاح اكثر من هذا !
الحوزة بطبيعتها لايمكن ان تصرح بأسماء الأحزاب ، لانها لو قالت هذا لاتنتخبوه وذاك اتركوه ، لكان من الأحزاب عدم السكوت ، وكيف تقبل ان تسحب منهم مائدة النعيم ، ولربما خلقوا فتنة في العراق تنهي كل الانتخابات كما فعلوها لمرات عدة، فارادت الحوزة ان تجعل الشعب بهدوء ان يسحب منهم البساط : قالت المجرب لايجرب !
في النهاية لا أرى ان المرشحين نجحوا في أي دعاية ، ولا أرى الناخبين فهموا من الدروس السابقة ، وكانت المظاهرات تعم البلد بالملايين فاين هم الان من صناديق الاقتراع ، وأين قادة المظاهرات وأين برامجها ، ولو المتظاهرين وحدهم انتخبوا الاصلح ، لصلح الامر ... عم الدمار بالشمال وهرب المجربون وعم الفساد في الجنوب واتخم المجربون وكان الوسط الملك المجرب لايشبع ولايقنع ...
سمفونية كارمينا ترجمت ثلاث مرات لكل مرة تكون الترجمة مختلفة فكيف الرابعة؟
يظهر ان الدولاب سيدور والقدر سيعري عذراءه!