تعد العين الثالثة بالنسبة للتنترا الهندوسية والبوذية عين باطنية توجد داخل كل إنسان، والتنترا فلسفة دينية تسعى لمساعدة الإنسان بالرقي من النقص نحو الكمال وتحقيق التوازن الكوني عن طريق قيامه بطقوس وممارسات، وتؤمن هذه الفلسفة بوجود طاقة باطنية للكون تساهم في توجيهه ولا يتأتى للإنسان إدراكها إلا عن طريق عين باطنية. يلزم الإنسان للتوصل بالرؤية عن طريق العين الثالثة القدرة على فتح مراكز الطاقة الباطنية بالتدريج عن طريق ممارسة اليوغا، وتعتبر هذه الأخيرة طقوس تأمّل يهدف فيها الممارس إفراغ ذهنه من الأفكار للوصول بالوعي نحو أعماق الذات للعثور على البرماتما وتحقيق النرڤانا (الصفاء الروحي)، والهدف من ذلك مقاومة الإنسان لرغباته والتغلب عليها عن طريق طردها من التفكير. ويتم فتح كل مركز عن طريق تحرير طاقته بالتخلص من الأمور السلبية (الشهوة، الحقد، الجهل..) المعيقة للطاقة بداية بالشاكرا الأولى، والشاكرا تعني الدوران باللغة الهندية القديمة وترمز للهالة الأثيرية التي تحيط بالجسد على شكل دائرة، وبتحرير كل شاكرا يتم توسيع مجال هذه الهالة الوهمية. يمكن أن نصنف شاكرات الجسم حسب الترتيب التالي(1) وسنرى ما يقابلها فيزيولوجيا : الأولى وهي مولادارا (الجدرية) تمثل الأرض/التراب إشارة للخصوبة، تقابل البروستات والمبيضين، وبتحرير هذا المركز يتم تحصيل الحكمة والبراءة الثانية وهي سفاديستانا (الوجودية) تمثل الماء إشارة للحياة، تقابل عظم العجز أسفل العمود الفقري، وبتحريها يتم تحصيل المعرفة والإبداع الثالتة وهي مانيپورا (الشمسية) تمثل النار إشارة للنور، تقابل السرة أوالمعدة ، وبتحريرها يتم تحصيل الاكتفاء والسلام الرابعة وهي اناهاتا (القلبية) تمثل الهواء إشارة للجوهر، تقابل القلب، وبتحريرها يتم تحصيل الشجاعة والأمن الخامسة وهي ڤيشودا (الدرقية) تمثل الأثير إشارة للتواصل، تقابل الرقبة/الغدة الدرقية، وبتحريرها يتم تحصيل اللباقة السادسة وهي أجنا (العين الثالثة) تمثل الروح إشارة للتحرر، تقابل الجبهة/الدماغ، وبتحريرها يتم تحصيل التسامح السابعة وهي ساهاسرا (التاجية) تمثل الاهتزاز اشارة للتلقي، تقابل قمة الرأس وهي بوابة الوعي الكوني ورمزها ألوان الطيف وبحسب أن كل شاكرا تهتز وتدور بسرعة مختلفة، فإننا نجد لكل شاكرا لون محدد من ألوان الطيف يتناسب تردد موجات إشعاعه الكهرومغاطيسي مع سرعة دوران الشاكرا تصاعديا، فكلما زادت سرعة دوران الشاكرا اشتد تردد موجات الإشعاع. ويشكل التراب والماء والنار والهواء والأثير "العناصر الخمس العظمى"، ركائز الأيورفيدا (منظومة من تعاليم الطب الهندي القديم) باعتبار أن هذه العناصر هي المكونة للكون بما فيه جسم الإنسان، فبما أن اليوغا تُعنى بالجانب الروحي للإنسان فاليورفيدا تهتم بجانبه المادي فيشكلان بذلك أسس التنترا التي تسعى لفهم العالم بجانبيه المادي والروحي من أجل تحقيق التناغم الكوني. بالنسبة للإنسان الشرقي القديم تمثل التنترا محاولة لفهم العالم والإنسان وإيجاد تفسير لفهم علاقة هذا الأخير بالكون، فنجد الشاكرات هنا تفسير لعمل الجهاز العصبي، فبما أن الدماغ هو المتحكم في أعضاء الجسم عن طريق النخاع الشوكي، نجد العين الثالثة هي المتحكمة في كافة الشاكرات من خلال مسار الطاقة على طول العمود الفقري، وعن طريقها تفتح الشاكرا التاجية التي تحقق الوعي مع الكون، فالدماغ هو الجهاز الذي تتم فيه عمليات تواصل الخلايا العصبية فيما بينها مشكلة وعيا كاملا، ومن خلال الوعي يستطيع الإنسان السيطرة على أفعاله والقدرة على اتخاد قراراته، فتتجلى لنا هنا العلاقة المشتركة وهي الوعي ممثلا بالعقل، فالعقل هو عين الإنسان الثالثة أو الباطنية. وبإمكاننا رؤية هذه العين مرسومة على جبهة شيفا في ثماتيل آلهة الهندوس، وهي أيضا العين التي تتربع على قمة الهرم الماسوني كرمز للإستنارة. وبحسب المعتتقدات البوذية، لا يتم تحقيق سعادة الإنسان سوى بالتخلص من الرغبات الدنيوية، ويعود السبب في ذلك لبوذا الذي ظن بأن من أسباب المعاناة هي محاولات تحقيق الرغبات، مستنتجا ذلك من رؤيته لكفاح الناس من أجل تحقيق غاياتهم خلال جولاته في أسواق المدينة *، يظهر لنا ذلك بوضوح في قوله : "إن منشأ هذه المعاناة الحتمية يرجع إلى الرغبات التي تمتلئ بها نفوسنا للحصول على أشياء خاصة لنا"، ومن هنا تم فصل الجسد برغباته عن الروح اعتبارا أن السعادة متعلقة بالروح، فنرى التأمل وسيلة لسبر أغوار الذات واعتبار الجسد شيء خارجي، و بوصول الإنسان لمركز وجوده الداخلي فإنه يتحرر من الجسد ورغباته (المعاناة)، كرمز للخروج من الجسد الفكرة التي تبنتها الباراسيكولوجيا بحرفيتها وجعتها ظاهرة !! ومن خلال ما سبق فإن العين الثالثة هي مفتاح لولوج عالم الروح الخالي من المعاناة، فنستنتج أن الإنسان الشرقي القديم توصل أن العقل هو الجسر الذي يأخذ الإنسان من حالة البؤس إلا حالة السعادة، رغم أن الطريقة هنا سلبية وانسحابية لكن الفكرة واضحة. ومن ذلك تبنت فلسفات دينية أخرى فكرة : أن العقل عين تبصر مالا تبصره العين الفيزيولوجية.