إنتهت إنتخابات الرئاسة بحلوها ومرها ، فشكرا لمن خرج وشارك ولبى نداء الوطن ، وعزائى لمن لم يشارك ، فسفينة الوطن ماضية فى طريقها ولن تنتظر أحدا كما لم تنتظر سفينة نوح من تخلف عنها . لكن هناك بعض الملاحظات التى يجب أن اتوقف عندها لنخرج منها بحقائق لا يمكن أن يتجاهلها كل ذى لب سليم ، ومنها على سبيل الذكر لا الحصر .
إنصراف المعارضة عن جوهر الموضوع الي سفاسف الامور بغرض التعمية حينا والعمى أحيانا أخرى ، فرقص السيدات والرجال امام اللجان هو أحد الطقوس التى عايشها المصريون منذ اول انتخابات لمجلس الامة عام ١٩٥٧ وحتى الآن .. وليست الظاهرة خاصة بالانتخابات ، لكنها تبرز فى كل تجمع نسائي للتعبير عن الفرحة ، حتى و لو كن فوق عربات الكارو والقطارات ، راجعوا التاريخ المصرى القديم فستجدوا فى البرديات ولوحات الحائط وعلى جدران المعابد لتتأكدوا بأنفسكم أن المصريات يمارسن الرقص بالفطرة فى كل مناسباتهم السعيدة والمفرحة ، فلا تخدشوا حياهن ولا تفسدا جلال الموقف وعظمته بهذا الادعاء الكاذب .
ثم إن من عادة المعارضة فى كل زمان ومكان أن تشوه خصومها وتحول إيجابياته الى سلبيات وتحرم على غيرها ما كانت تحله لنفسها ذات يوم ، وخير دليل ما حدث فى انتخابات مرسي عام 2012 و إستفتاء ١٩ مارس 2011 فقد رأينا الرقص الشرعى على أصوله للرجال والنساء أمام اللجان وفى كل ميادين مصر المحروسة ، ولم نسمع أحدا يومها ممن يعيبون اليوم على المصريين أبتهاجهم أمام اللجان يحرمون الرقص لمرسى وشفيق .
أيضا يرى البعض ان الإنتخابات فاشلة ويبررون ذلك بقلة عدد الشباب الذين أحجموا عن المشاركة ، إلا أن ذلك أيضا إدعاء متكرر ومعاد لأن الشباب الذي لم يحضر طابور الصباح وتحية العلم ولم يهتف لمصر مرتين يوميا ولم يردد نشيدا وطنيا و لديه إحساس بأن الانتخابات شكلية ومحسومة وهى لعبة يجيدها الكبار وبالتالى فهم فى أحيان كثيرة لايشاركون ، وأيضا فإن هذه الظاهرة ممتدة الجذور منذ الستينات وحتى الآن ، لكن التجربة والتاريخ اثبتوا عكس ذلك تماما .
فشباب الستينات الذين أحجموا يومها هم عواجيز هذه الأيام الذين يحضر بعضهم على كرسي متحرك لأن التاريخ والتجربة علمتهم أن السلبية اضاعت منهم وطنا استردوه بالسلاح ويوشك أن يضيع منهم الآن ، وطن لو ضاع فلن يعود حتى لو بقوة السلاح ، لأن الأوطان حينما تضيع يضيع معها كل شئ العرض والدين والكرامة والإنتماء والحب ويحل محلهم الدياسة والكفر والذل والخيانة والكره والفقر والجوع ويحكم قانون الغاب فى العباد والرقاب .
كما أن البعض قد اتخذ عدم وجود شعبية للمرشح المنافس مادة للتندر والسخرية وعذرا لعدم المشاركة متجاهلين أن منافسي السيسي فى الإنتخابات أضعاف منافسي ترامب نفسه
والذى كانت تنافسه إمرأة واحدة كمرشح من أميركا ، لكن منافسي السيسي على الحكم ليس رئيس حزب سياسي محدود الشعبية فحسب ، وانما الف فرعون آخر منهم الخليفة المزعوم العثماني أوردوغان والخليفة البغدادى والخليفة الأفغانى وطابور ممن يتربصون بمصر وشعبها شرا كبيرا وصبيانهم فى قطر وتركيا وإسرائيل وعالم ما وراء البحار .
لذلك كان الاحجام عن الحضور الكثيف بمثابة دعوة صريحة وواضحة بقصد او غير قصد أو بجهل أحيانا كثيرة لهؤلاء الخلفاء بالإنقضاض العاجل لاقتسام الذبيحة بعد سقوطها مدرجة فى دماء الفتنة والضياع لا قدر الله .
ومما عابته المعارضة نسبة مشاركة المرأة المرتفعة اللافتة للنظر ، وإنى لأتعجب لتلك المعارضة التى تكيل بمكيالين ، فنجدها تمجد فى المراة وتتخذ منها مادة للترويج لنفسها وتعيب على النظام الحاكم طريقة معاملته للمراة مدعية بذلك إنتهاك حقوقها وتطالب الدولة منحها المزيد من الحريات فى الوقت الذى تعيب فيه علي المراة ممارستها حقوقها وحريتها بالمشاركة بكثافة فى الإنتخابات الرئاسية !! اليست هذه المرأة التى خرجت فى إستفناء الدستور الذى مجدته المعارضة بكل أطيافها ووصف مشاركتها الملفتة للنظر وقتها بالمشهد التاريخى !!
أليست هذه المراة التى خرجت فى إنتخابات مرسى وشفيق بالملايين ووصفوا مشاركتها يومها بالموقف المشرف للمرأة المصرية وظلوا يتغنون به فى منشتات وعناوين صحفهم وعلى شاشات فضائياتهم !! ام انه منطق يهود المدينة مع عبدالله بن سلام حين ترك اليهودية و اسلم وآمن بالنبى ، فوصفه اليهود بأنه شرهم وابن شرهم بعد أن كان سيدهم وابن سيدهم !!!
و لم يكن أبدا مبرر إختيار الشعب للمشاركة وإنتخاب السيسي لأنه أنشأ طريقا أو شق قناة او أقام مدينة أو وفر رغيف الخبز لمواطن جائع على قارعة الطريق أو قضى على الكثير من أزمات المواطن اليومية كالغاز والكهرباء ومواجهة الفساد او مجابهة الإرهاب بكل عناصر وداعميه فى الداخل والخارج أو القضاء على فيروس سي أو مواجهة الجريمة بكل أشكالها فى الشارع المصرى أو إعتماده برامج التنمية المستدامة او منحه راتبا لمن ليسوا فى تعداد الموظفين من خلال مشروعه تكافل وكرامة ولا غيرها من عشرات الإنجازات التى تضاهى مافعله محمد على باشا من ثلاثمائة عام والتى يتنعم المصريون فى خيرها حتى اللحظة . فكلها انجازات مهما عظمت فى أعين مؤيديه أو صغرت فى أعين معارضيه لكنها ستظل في النهاية أمور يمكن له او لغيره تحقيقها إذا ما توفرت له كل عناصر وأسباب النجاح بغض النظر عن توجهه السياسي أو غيره .
لكننا هنا نتوقف عند أهم إنجاز قام به الرجل يسانده فى ذلك وتدعمه مؤسسات وطنية لها كل التقدير والإحترام وعلى رأسها الجيش والأجهزة الأمنية والسيادية المعاونة له ، إنه إنجاز الحفاظ على وطن له علم ونشيد وحدود ، نهتف جميعا باسمه ونحزن لحزنه ونفرح لفرحه .
فقد كان أملا بعيد المنال بعد ثورات ومناكفات اسقطت عروشا وجيوشا ومزقت أمما وشعوبا ، وضيعت أحلاما مشروعة وتركت لنا الحليم حيرانا ، واذهلت كل مرضعة عما أرضعت وكأننا فى مشهد من مشاهد يوم القيامة فازهقت بسيفها وفتنتها ملايين الأرواح وإقتلعت بريحها القلوب ، و لولا الله ثم جيش مصر وشعبه العظيم لكنا اليوم سدى ومرتعا للعلوج وفريسة للكلاب الضالة الطامعة فى الأموال والأعراض من عالم المصالح و الحيوان من الأمم والشعوب ، ولأصبحنا لعبة فى أيدى المغامرين من دعاة الفتنة وتجار الدين والشعارات وثوار الفيس بوك أصحاب الحناجر والسيوف والخناجر ووليمة دسمة لداعش وأخواتها .
آخرا وليس أخيرا فإن وقوف المصريين بالملايين فى طوابير الناخبين بمحض إرادتهم خير لهم وأشرف من وقوفهم فى طوابير اللاجئين صاغرين مهجرين يتسولون لقمة خبزهم من طائرة او قافلة لمحتل لبلادهم ومغتصب لحرائرهم ونسائهم وناهب لنفطهم سارق لثرواتهم بحجة وبغير حجة ، فتحية إجلال وتقدير لكل مصرى لبى نداء الواجب .