إن الكوارث لم تتوقف منذ بدء الخليقة و في كافة أنحاء العالم ، و لا يمكننا في الواقع، الحيلولة دون و قوع حوادث؛ كالزلازل و الأعاصير، و لكن في وسعنا الحد من إحتمال تحولها إلي كارثة ، لكن الأخطر من الكوارث الطبيعية، فهو ما يسبَّبه الإنسان لغيره من مِحَنٍ تحوَّل حياته إلي جحيم متواصل ، فتهدم كل بناء و تقف عائقا أمام التنمية بشتى أنواعها ، إنها كارثة ( الثـأر ) ، التي ظلت جاثمة على صدر محافظات صعيد مصر التي تحيا ليل و نهار تؤججها ريح الأصالة و تذكيها رائحة التمسك بالعقيدة ، فهو دائما ما يعكر صفو هذه الحياة الوادعة بأصوات الرصاص التي تشق سكون الليل ونواح وعويل يملأ الأفق . فالثأر سرطان مزمن في شريان الوطن ، ينتج عنه خسائر مادية وبشرية جسيمة تفوق قدرة وإمكانيات أجهزة الدولة المختلفة عند التعامل معها . الثأر معناه المطالبة بدم القتيل و الطلب بثأره ، و هو الوجه الآخر لهيبة العائلة وكرامتها داخل مجتمعها، و أن العائلة بجميع أفرادها مسئولة عن الأخذ بالثأر. فهو يحدث لأسباب قد تكون شخصية أو جماعية ، لذلك لا يوجد سبب واحد يمكن ربطه بكل حوادث الثأر لكنها إجمالاً تكون بين عائلات وبمجرد بدايتها لا يمكن التنبوء بما سوف تنتهي إليه، و متى؟. و أن الثأر قد يشتعل نتيجة علاقة بين شاب و فتاة من عائلتين لا تنال رضي الكبار فتؤدى إلى معارك دموية إنتقاماً لشرف العائلة. حتى الخلافات العادية قد تتسبب في معارك كبيرة أيضاً بين العائلات، منها على سبيل المثال أسبقية الري أو المرور بين سيارتين، أو شجار بين أطفال في القرية أو الخلافات العادية بين الجيران، أو سب بعضهم بعضا كما أن العائلات التي بينها نسب أو علاقات مصاهرة تكون من أكثر الحالات المعرضة لحوادث الثأر . و فى أحيان أخرى تؤدى حوادث القتل الخطأ إلى ثأر عائلي فمثلا يصدم شخص بسيارته أحد أفراد عائلة أخرى و هذا حادث يحدث عشرات المرات يوميا فيتحول إلى ثأر أو إطلاق نيران في زفاف للإحتفال و يقتل واحدا فيتحول إلى ثأر أو سبب أدهى و هو وجود شخص من عائله ثالثه ويقتل بالخطأ في ثأر ليس له ذنب فيه من بعيد أو قريب فتتحول العائلة الثالثة للثار و هكذا تتوارث العائلات الثار حتى و إن كان ليس لهم دورا فيه و لكن القدر وضعهم في طريق ألثار. لذلك يمثل الثأر هماً أمنياً مخيفاً لدى كل فرد من أفراد المجتمع و هاجس قلق للدولة ، فالمواطنون يعيشون في حالة ذعر و خوف وعدم إستقرار دائمين نتيجة جرائم القتل غير المشروعة (الثأر) التي يتوارثها الأبناء عن آبائهم جيلاً بعد جيل كما أدت إلى انقطاع الناس عن أعمالهم و الأطفال عن مدارسهم وضياع اسر بأكملها نتيجة هروب عائلهم أو اختفائه وما يترتب على ذلك من عدم تربية الأبناء . و من هنا يلزم هذا العرف القاسي وجود السلاح الذي يعتبر في منزلة الولد عند الصعيدي ، كما يوجد في الصعيد مجموعة من التقاليد الراسخة و المتعلقة ما يسمي بالقودة وتعني أن ألقاتل قد اقتيد لأهل القتيل ليفعلوا به ما شاءوا.. وطقوس القودة في معظم قرى الصعيد متشابهة، و برغم تشابه ظروف القودة في معظم قري الصعيد إلا انه تختلف الآن عن فترة سابقة حيث ظهرت في مصر طريقة جديدة للقودة منذ الثمانينيات القودة تعني الحياة التي تأخذ شكل الأمل والإستمرار في الرضوخ لإحكام من يقبل الصلح وهى هيئة الموت المتعمد الواضح وهناك أيضا في نفس الموضوع الجودة التي تكون بتعطيش الجيم و هي طريقة الموت الخطأ حين لا يستدل على القاتل الحقيقي في مشاجرة لذلك على العائلة المعتدية أن تقدم شخصا يرتضى أن يحمل ( الجودة ) و يسمى الحامل للكفن جودة لأنه أجاد بنفسه لردم الدم بين العائلتين. في النهاية يظل الثـأر شرخ متجدد في جدار الوطن ، لذا لابد من التصدي لهذه العادة الإجتماعية المتخلفة التي تهدر القانون و تنافى قيم التحضر و الإنسانية من خلال تضافر كل الجهود ألمخلصة من ألحكومة و الجامعات المختلفة و لجان المصالحات و كبار العائلات بالصعيد و القضاء على الأسباب التي أدت إلى انتشارها ، كما لابد من أن نهتم بالتعليم الجاد و خلق فرص عمل و تنمية ألمجتمعات المحلية و تطوير الخطاب الديني بشكل فعال و مشاركة الإعلام مشاركة فعالة فى القضاء على هذه الظاهرة و ليس لعرض مسلسلات و افلام تحث علي الانتقام. و ضرورة القضاء على تجارة السلاح و المخدرات ، ففي غياب هذه التجارة تنحصر هذه الظاهرة ، كما لابد من و جود أمني مكثف لسرعة القضاء على أى خلاف ينشب بين العائلات حتى لا تتطور الأمور إلى القتل ، لأن أغلب المصالحات تنجح بنسبه كبيرة ، وهناك حالات تفشل فيها المصالحة بسبب تجاهل أللجان للمرأة . لأن المرأة هي السبب الرئيسي فى انتشار الظاهرة ، لذلك من الضروري التركيز علي أهمية تعليم المرأة حيث أن تعليمها بمثابة تعليم أسرة بل جيل بالكامل و خاصة أن المرأة في حالة أميتها تلعب دورا كبيرا في أثارة حمية