تم رصد عددًا من المواقف التي جمعت بين حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان الإرهابية، ومرشدها الأول، وبين محمد مهدي عاكف، المرشد السابع للجماعة، الذي توفى يوم الجمعة الماضي، عن عمر يناهز 89 سنة. جنازة بلا إخوان لعل أبرز هذه المواقف على الإطلاق هو خلو جنازة كل منهما من شباب الإخوان وقياداتهم، حيث لم يشيع جنازة "البنا" سوى والده و4 من نسائه، وقبطي واحد وهو مكرم عبيد باشا، وهرب جميع الإخوان الذين كانوا يملأون الأرض ضجيجًا وصياحًا من وداع مرشدهم، على الرغم من أن منزلته عندهم أعلى بكثير من منزلة الأب والأم، لأن أخوة الدين أقوى من أخوة الدين عند الإخوان والتنظيمات الأيديولوجية. وتكرر هذا المشهد في جنازة مهدي عاكف، الذي لم يشيعه سوى زوج ابنة أخته والمحامي فيصل السيد، و3 آخرين و4 سيدات، ما يدل على عدم وفاء شباب الجماعة للرجلين الأكثر عملًا لهم، ولا يمكن تبرير هذا بأكثر من الجُبن الذي هو منهج حياة لدى أبناء الإخوان، وهو ما تربوا عليه داخل جماعتهم.
أول مرشد وأول مرشد سابق ومن المفارقات التي رتبها القدر لكل من المرشدين أن يكون "البنا" هو المرشد الأول للجماعة في حين أصبح "عاكف" أول مرشد سابق في تاريخ الإخوان بعد تأسيس الجماعة بـ 82 عامًا، حينما قرر التخلي عن منصبه طواعية في حياته، وإجراء انتخابات إرشاد جديدة لا يكون مرشحًا فيها، ليتيح الفرصة لتدفق الدماء الإخوانية داخل جسد الجماعة، حيث كان المرشد في السابق يظل باقيًا في منصبه لحين موته، ليتم بعد ذلك إجراء انتخابات جديدة لاختيار مَن يخلفه. الجوالة ومعسكرات الجامعة حيث أنشأ "البنا" فرقة الجوالة كأحد أساليب التربية داخل الجماعة وكخطوة لتكريس فكرة الجندية، وبلغ عدد هذه الفرق الكشفية 99 فرقة، يرأسها "البنا" من خلال المجلس الأعلى للكشافة، وقد كانت هذه الفرق هي النواة الأولى التي أخذ منها فكرة معسكرات التدريب على حمل السلاح داخل الجامعات بحجة مواجهة الاحتلال في قناة السويس، حيث قاد معسكر جامعة إبراهيم (عين شمس حاليًا) عام 1951م، وكان عمره وقتها 23 عامًا. النظام الخاص
أسس "البنا" النظام الخاص ليكون جيشًا عسكريًا تابعًا للجماعة، تحت مزاعم مواجهة الاحتلال، إلا أن حادث السيارة الجيب الشهير كشف عن حقيقة هذا النظام، إلى جانب العمليات التي نفذها عناصره فيما بعد وفضحت أكذوبة مواجهة الاحتلال، والتي من بينها، اغتيال المستشار أحمد بك الخازندار، رئيس محكمة استئناف القاهرة، واغتيال محمود فهمي باشا النقراشي، رئيس وزراء مصر في عهد الملك فاروق، وقد كان "عاكف" عضوًا في هذا التنظيم السري منذ تأسيسه، وكان يراه حقلًا للتدريب على العمليات العسكرية، ومحو الأمية العسكرية للشعب في ذلك الوقت، وقد اعترف "عاكف" في مذكراته التي نشرتها صحيفة "الحرية والعدالة" التابعة للجماعة باختيار "البنا" له في عضوية التنظيم الخاص، ونفذ العديد من الجرائم الإرهابية.
التنظيم الدولي
جمعت فكرة التنظيم الدولي بين "البنا" و"عاكف"، حيث سعى مؤسس الجماعة في توسيع علاقات جماعته بالعالم وفتح فروع في أقطار أخرى، في حين تولى "عاكف" مسئولية ملف الاتصال والتواصل بالعالم الخارجي، باعتباره عضوًا بمكتب الإرشاد، بعد اعتقالات سبتمبر 1981 الشهيرة، حيث سافر بعدها إلى ألمانيا، ليتولى تأسيس وإدارة المركز الإسلامي في ميونيخ، والذي تحول فيما بعد إلى مقر لاجتماعات التنظيم الدولي، كما شارك "عاكف"، مصطفى مشهور، الذي أصبح فيما بعد مرشدًا خامسًا للجماعة، في تأسيس التنظيم الدولي، إلى أن وُضعت لائحته، وأُعلن رسميًّا عنه في مايو من عام 1982.
العنف
يعتبر العنف هو الحبل السُّري الذي يربط جميع قيادات جماعة الإخوان قديمًا وحديثًا جنبًا إلى جنب، فقد كرّس البنا لهذه الفكرة بنشأة التنظيم الخاص، الذي لم يتم حله يومًا من الأيام، وإن أخذ أشكالًا وصورًا مختلفة، كان آخرها حركة حسم، إحدى أذرع التنظيم السري، والتي أصدرت بيانًا نعت فيه مرشدها مهدي عاكف.
القوة
باستدعاء رسالة المؤتمر الخامس لحسن البنا، والتي تحدث فيها عن الإخوان والقوة قائلًا: "إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها؛ وحيث يثقون أنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة، وهم حين يستخدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء، وسينذرون أولًا وينتظرون بعد ذلك"، وهو ما ترجمه عاكف عمليًا حينما أعلن استعداده كمرشد للجماعة إرسال 10 آلاف مقاتل مدرب من الجماعة لمناصرة حزب الله في حربه المزعومة ضد إسرائيل، خلال مؤتمر حاشد لنقابة الصحفيين عام 2006م.
التناقض
سيطر التناقض والإنكار على شخصية المرشدين، فقد أنكر "البنا" قيام شباب الجماعة باغتيال النقراشي باشا، وأصدر بيانًا بعنوان: (ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين) للتبرؤ من القتلة، وعلى خطاه سار "عاكف" الذي لم يترك فرصة في الدفاع عن التنظيم الخاص من كل جرائم القتل التي ارتكبها، زاعمًا أنها حالات فردية، ولا تعبر عن رؤية التنظيم وقيادته.
الطاعة
استجاب "عاكف" لتعليمات مرشده "البنا" بعد إنهاء دراسته الثانوية، حيث حصل على مجموع يؤهله لدخول كلية الهندسة، إلا أن المرشد طالبه بالالتحاق بالمعهد العالي للتربية الرياضية بالمنصورة، وهو ما لم يتردد "عاكف" في قبوله، حيث إن السمع والطاعة أحد سمات الجندية التي تربى عليها.
قصر العيني المحطة الأخيرة
من المفارقات أن تكون المحطة الأخيرة لكل من المرشدين داخل مستشفى قصر العيني، ليلتقطا أنفاسهما الأخيرة داخل هذا الصرح الطبي، حيث تم نقل "البنا" إلى مستشفى قصر العيني يوم الأحد 13 فبراير 1949م، بعد إطلاق الرصاص عليه أثناء خروجه من جمعية الشبان المسلمين بشارع الملكة نازلي (رمسيس حاليًا)، على يد مجهولين أطلقا عليه 7 رصاصات، بينما انتقل مهدي عاكف من محبسه إلى المستشفى ذاته في مرضه الأخير الذي مات فيه، بعد تردده على مستشفى المنيل الجامعي في يناير من العام الجاري، بسبب تعرضه لعدة وعكات صحية، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة في قصر العيني الفرنساوي.