بقلم الشاعرة والكاتبة الصحفية - سارة منصور علام
الحياة بألوانها المختلفة والطبيعة بجمالها والشتاء ببرده القارص والصيف بحره الشديد والربيع بوروده والخريف بغضبه لهم أثر كبير على حياة بطل هذه القصة وهى قصه حقيقية من الحياة أراد البطل أن يحقق لنفسه النجاة بجهاد وكفاح من أجل لقمة عيش وقوت يوم ورزق حلال له ولأبنائه الخمس
تشير الأذكار فيها إلى عظمة ذكر الله الذى يطهر القلوب ويصفى النفوس ويريح البال ويروى العطشان ويضفى السعادة إلى كل روح متعلقة بحبل الله المتين أما العود الأخضر فهو نبات البرسيم الذى يزرعه الفلاحون بمصر كغذاء للحيوان
هذا العود الأخضر يحتاج إلى تأمل وتفكير وإيمان كبير فى قدرة الله الخالق البديع
لقد ارتبط بطل القصة منذ العشرين من عمره وحتى وافته المنية بالعود الأخضر وكان العود الأخضر مصدر رزقه وأمله الوحيد للاستمرار فى العيش حتى النهاية وكانت الأذكار هى الصديق فى الطريق والنور في الظلام والدفيء في البرد و المكان الوحيد للإيواء وقت الأمطار الشديدة
لقد ارتبطت بعلاقة عشق وحب مع البطل رغم بعد المسافات واختلاف الثقافات هذا الحب الروحى يزداد مع ظروف البطل القاسية وإرادته القوية في الحياة وصار بينى وبينه صداقه وعشق رغم عدم تلامس الأيدى فالبطل بالنسبة لي نموذج فريد في الحياة وأمل متجدد للاستمرار ونسيم عليل للتواصل والمحبة وان كنت أشعر احيانآ بالآم الفراق وعذاب البعد والجفاء إلا أن قصة أذكار العود الأخضر
تمثل بالنسبة لى وللقاريء أمل أحلم بالتمسك به للنجاة فى الحياة الدنيا وفي الآخرة فهى نموذج فريد للعمل الجاد والصبر على القضاء وامتلاك إرادة حديديه فولاذية قويه ضد عقبات الأزمان ووعورة الطرق وقسوة المشكلات فلتكن الأذكار هى منارة فكر جديد لكل عاقل يريد الطهارة والعفاف والإيمان والتقوى والسداد والرشاد فهيا بنا عزيزى القارئ إلى أذكار العود الأخضر لنسعد بها تارة ولنشقى بها الأخرى لنسير معآ طبقا للظروف والأحوال حتى نصل سويا إلى النهاية فقد تلتقى الذات والأرواح أو تنكسر الأبواب والظهور وأعلم أن كل شيء مقدر أيها الإنسان فى الحياة
وعلى الله القصد السبيل
الفصل الأول ( كفاح وعمل )
عاش الشيخ زيدان فى منزل به ثلاث حجرات من الطوب اللبن والسقف من السدة والخشب لا يوجد به كهرباء عام 1914
تزوج مرتين الزوجة الأولى رزقه الله منها بطفل وطفله وتم الانفصال
والزوجة الثانية رزقه الله منها بثلاثة أبناء وثلاث بنات
اعتاد الشيخ زيدان الذهاب إلى عمله كحاصد للبرسيم الأخضر من الساعة السادسة صباحا وحتى أذان المغرب
همه الوحيد أن يوفر أجره قرش أو قرشين حتى يستطيع أن يلبى حاجة أسرته من المأكل والملبس يعمل في الحقل بالاجره عند أصحاب الأملاك وكلما اشتد به الجوع
لا يجد ما يأكله سوا السريس الأخضر والذى يظهر نباته مع نبات البرسيم
فكان السريس والماء هم طوق النجاة بالنسبة له
فى الحياة وأعتاد الشيخ زيدان والذى كان يجيد القراءة والكتابة ويحفظ آيات من القرآن الكريم أن يذكر الله وكلما ارتفع صوته يذكر الله تزداد عزيمته وقوته على العمل
فكان سلاحه الذى يعمل به الكريك ومحشة البرسيم
والكريك فى حفر المصافى الصغيرة داخل الأرض
أما المحشة فتستخدم لحصاد البرسيم وتحتاج إلى مهاره حركيه ميمنة وميسره حتى تنجز الحصاد دون أن تنكسر ولا بد أن يلازم هذه المحشة مبرد لسن السلاح
وكان الشيخ زيدان يمتلك المهارة الحركية والقوة العضلية والطاقة البشرية التى تساعده على إنجاز مهمته اليومية لتوفير 2 قرش
وفى نهاية كل يوم يعود إلى منزله معه عقدة من البرسيم وكيس من الفول الأخضر يقابله على الباب زوجته فاطمة وبناته كريمه وعزيزة وفاتن وأبنائه هشام وعثمان ومحروس
الجميع يسعدون بالبرسيم الأخضر والفول الأخضر وتزداد السعادة عندما يقطع خشب من جذع شجره ويوضع بعد تقطيع على شاليه مصنوعة من الفخار ليلتف الجميع حول الدفيء من الخشب وهكذا سارت الحياة عمل دائم من الشيخ زيدان وسعادة من زوجته فاطمة الصابرة بأبنائها الصغار واستمرت الحياة وكانت قمة السعادة عندما استطاع الشيخ زيدان أن يقنع أحد الأغنياء وهو الشيخ محجوب أن يعطيه عجله صغيره ليربيها بنصف المكسب أملآ فى أن تكبر وتعشر وتدر عليه وعلى أسرته البسيطة اللبن
وتحقق الأمل والمراد وتم توفير اللبن ليساعد فى تربية الأطفال الستة
الفصل الثانى ( رعد وبرق )
فى إحدى ليالى الشتاء حيث الظلام الدامس فى القرية والبرد القارص فى كل مكان
ظهر البرق والرعد فى السماء بأصوات وانفجارات وكأنها قنابل الحرب العالمية
وهطلت الأمطار شديدة ونزلت على ثقف المنزل المعروش بالسدة والخشب فسالت المياه داخل الحجرات الثلاث التى بنيت من الطين
ولا يوجد غطاء سوا لحاف
واستيقظ الجميع لاستقبال الأمطار الساقطة بالمنزل واستخدم الشيخ زيدان وزوجته الصابرة فاطمة الأواني بنزح المياه من داخل الحجرات وكلهم خوف ورعب من سقوط السقف على الأطفال الصغار
وقضى الجميع ليلة كلها رعب حيث الظلام الدامس والبرد القارص والأمطار الغزيرة
وبعد ظهور أول ضوء بعد الفجر أسرع الشيخ زيدان إلى الزريبة لينقذ بقرته الحلوب فإذا به يجدها جثة هامدة فقد أصابها البرق بصاعقه كهربائية وماتت في الحال
وعندما رأى الشيح زيدان البقرة التى تدر اللبن على أطفاله قد ماتت أصيب بصدمه شديدة أدت إلى فقدان بصره
وامتلأ قلبه بالحزن وذهب مسرعآ فى الوحل والطين إلى الشيخ محجوب صاحب البقرة الذى جاء خلفه إلى المنزل الذى تهدم من الإمطار ونطق الجميع العوض على الله
لله الأمر من قبل ومن بعد
فعندما رأى الابن الأكبر ذو ال 9 سنوات حسن والده حزينآ وقف بجوار والده وقال له لا تحزن يا أبى الله هو الرازق ولا ينسى أحد
وفى هذا المنزل المتواضع والظروف الصعبة والفقر الشديد عاش الابن الأكبر للشيخ زيدان
( حسن ) والذى كان تلميذ بالصف الثالث الابتدائي بمدرسة القرية لديه من العمر 9 سنوات
وكان والده حريص على تعليمه وعلمه القليل من آيات القرآن
ولحب الطفل لوالده بعد فقده للبصر كان يلازمه بذهابه إلى المسجد والذهاب إلى حلقة الذكر بقرية أبى حريز شرقيه
ونشأ وتربى حسن فى بيئة تحب ذكر الله بالطريقة الصوفية الأحمدية وتتلمذ على علم مشايخه
الشيخ منصور هيكل
الشيخ عثمان هيكل
الشيخ ثروت هيكل
الشيخ صلاح الدين الأحمدى هيكل
فى ظل رياض الصالحين وأذكار العود الأخضر تشبعت روح الابن الأكبر حسن الذى قرر أن يكمل تعليمه وطموحه وأهدافه وأن يحقق آمال وأحلام وطموحات والديه وأسرته الفقيرة
الفصل الثالث ( المشوار )
عوض الله الشيخ زيدان
فقده للبصر بقوة البصيرة فازداد تعلقه بربه
وحقآ (رب اشحث أخبر لو أقسم على الله لأبر)
فقد أرتقى الشيخ زيدان بدرجاته الإيمانية وعلاقته الربانية إلى أعلى الدرجات حيث أنه وفى حياته كانت له كرامات يشهد لها جميع أهل القرية بل كان مقصد للكثير من المحتاجين والفقراء والمساكين والمرضى
لا يطلبون منه شىء إلا الدعاء لهم
فكانت دعوته مستجابه
وقد احترمه الكثيرين لتقواه وورعه وخشيته من ربه
فكان بابه مفتوح لا يقفل فى وجه أحد وكانت دعوته إلى الابن الأكبر حسن بأن يزيده الله علما وأن يوفقه في حياته لخدمة الفقراء والمحتاجين
فكانت هذه الدعوة هى بداية المشوار للابن الأكبر الذى قرر أن يعيش حياته ومنذ التاسعة من عمره كلها كفاح من أجل رعاية والديه واخوته الخمس
اجتهد حسن فى طلب العلم واجتهد فى العمل فى كل المجالات بالعمل في الحقل فى جنى القطن ونقاوة دودة القطن ونقاوة الأرز
كما عمل عامل بناء وفى الخرسانة والمونة ومساعد بلاط كما عمل في أعمال الحفر بسيناء عام 1975 عقب حرب 1973
تشكلت شخصية حسن على احترام والديه واحترام الآخرين وطاعة الله والبعد عن المعاصى
كما إصابته دعوة والده فحصل على الشهادة الابتدائية 1969
والإعدادية 1972
والثانوية 1975
كما حصل على ليسانس آداب وتربيه عام 1979
وعمل معلم للغة الانجليزية بمدرسة الصوفية الإعدادية
حرص حسن على الرزق الحلال وكانت أبواب أسماء قد فتحت له بالرزق الحلال إكراما لوالده الرجل الصالح وأمه الحاجة فاطمة وقد اختار حسن عمله بمدرسة الصوفية حتى يكون قريبآ من أخواته لأبيه طه وحليمة
ولتقوية الروابط الأسرية مع أخوته
لم يكن حسن ابن عاق بل أحب والديه وكل من لهم صله بهما وأحب إخوته ووفر لهم لقمة العيش الكريمة وقرر ألا يتزوج حتى يعوض والديه عن سنوات طوال عاش الجميع فيها فى فقر وحرمان
الفصل الرابع ( الموت والفرح )
عاشت الأسرة بعد سنوات الحرمان والفقر الشديد حياه كلها سعادة وسعة في الرزق ما بين عامى 1979 وحتى 1984
وتم تجنيد الابن الأكبر حسن بالقوات المسلحة وفى خلال هذا العام 1984 كان يوجد مخزون من القمح والشعير والأرز
ولم تقاسى الأسرة من أى مشاكل حتى خروج حسن من الجيش وانتهاء التجنيد وعاد إلى عمله بمدرسة قريته وبدأت الحياة من جديد كلها سعادة حيث راحة البال ورغد العيش وحب الأهل والجيران والأصدقاء وفاجأه أصيبت زوجة الشيخ زيدان وأم أولاده بفشل كلوى وفشل الأطباء في العلاج وجاء الموت وهو النهاية الحتمية وماتت الزوجة فاطمة فى صيف 1984
وامتليء البيت حزنا وكان الأكثر حزن لموتها الشيخ زيدان الذى أصيب بحاله من الاكتئاب فلحق بها ومات بعدها بستة أشهر وقبل أن يموت الشيخ زيدان أوصى ابنه الأكبر حسن وهو الوحيد الذى حصل على أعلى شهادة علميه يحلم بها أبناء الفقراء وهو معلم لأبناء قريته ويضرب به المثل فى التواضع وحسن الخلق والالتزام
وكانت الوصية وبحضور الشيخ خالد أمام مسجد القرية أن يرعى أخوته البنات وألا يكون قاطع رحم لهم وأن يرعى أخوته البنين وألا يتزوج إلا بعد الاطمئنان على الجميع وأن يكون المنزل الصغير حق ونصيب إلى أصغر الأبناء محروس وقد كان حسن بارا بأبويه فى حياتهما وبعد موتهما ونفذ الوصية وكان واصل للرحم كمان أنه قام بتجهيز أثاث الابنة الصغرى فاتن وتم زفافها على عريس بمحافظة الدقهلية
كما ساند أخوته عثمان ومحروس وأعطى محروس المنزل الصغير وقد وصل به العمر الثلاثون عاما ولم يتزوج وبدأ يبدأ من جديد في عمله ليل نهار لتوفير المهر والشقة ليستطيع الزواج وأعتاد حسن أن يدعو الله إناء الليل وأطراف النهار أن يرزقه الزوجة الصالحة وتحقق المراد بالزواج عام 1988 من سيده فاضلة صافية القلب على علاقة قوية بربها واخترتها بعد رؤية مناميه جاء لها فيها الشيخ صلاح الدين الأحمدى منصور هيكل شيخ الطريقة الأحمدية أخبرها فى الرؤية وافقى على الزواج من أبننا حسن حيث والده كان رجلا صالحا وأصله طيب وتم الزفاف والزواج وفى ليلة الزفاف لم يكن العريس فى جيبه سوا عشرة جنيهات إلى أن جاء الشيخ وبارك له وأعطاه مائة جنيه هى بحق ثروة في هذا الوقت وتم سداد أقساط الزواج كما وقفت الزوجة صفاء بجانب زوجها حسن وأعطته ثلاث غوايش ذهب ليسدد ديونه وكان الاستقرار والسعادة هم شعار البيت الجديد والأسرة الجديدة المكونة من اثنين من الأبناء وابنه
الفصل الخامس ( استجابة الدعاء )
اعتاد الابن حسن على حب العمل والإخلاص والجدية والالتزام واحترام الرؤساء والتعاون مع الزملاء
سعادته الحقيقية فى نجاحه فى العمل
وترقى من معلم لغه انجليزية إلى معلم أول لغة انجليزية إلى معلم ثانوى إلى معلم أول ثانوى إلى موجه لغة انجليزية ثم موجه أول لغه انجليزية وحصل على 57 دوره في القيادة والإدارة والتدريب والتنمية البشرية ومجالات عديدة وسافر بعثه إلى المملكة المتحدة وتحقق له النجاح
وكان يلازمه فى كل الخطوات دعوة والده الرجل الصالح الشيخ زيدان وبركة القرآن ودعوة مشايخه بأبى حريز ولم يكن يتصور أن تفتح أبواب السماء ويحصل حسن بعد التقدم إلى مسابقه كبرى على مستوى محافظة الشرقية على منصب وكيل إدارة ثم مدير إدارة ثم مدير عام إدارة تعليمية
لأن هذه المناصب اعتاد الحصول عليها أبناء الأغنياء وأصحاب النفوذ والمراكز العليا
وحصول حسن على هذه المراكز سببه الرئيسى هو اختيار الله واستجابته إلى دعاء والده
لقد عرف الابن حسن على مستوى المحافظة والجمهورية كرمز للقيادة التى أحبها الجميع كنموذج للأداء المخلص لشخصيه بسيطة متواضعة كل هذا بفضل الأذكار الدائمة لله والاعتراف بفضل دعوات الصالحين وعلى رأسهم والده الشيخ زيدان فلتكن أذكار الصباح والمساء هى الرفيق فى الوحدة والصديق عند الشدة شكرا للعود الأخضر ومزيد من التأمل والتفكير فى نهاية القصة مع أذكار عود البرسيم الأخضر
الخاتمة
ليعلم كل إنسان أن الاختيار الأفضل من الله وحده وأن الرزق الحلال والمال الحلال أفضل للإنسان من ملايين الجنيهات الحرام لأن كل إنسان يحاسب عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه
كما يجب على كل فرد أن يخشى ربه وألا ينساق وراء الأهواء الشخصية والملذات الزائلة لأن الدنيا مهما عشتم فيها من العمر فلا بد انك راحل عنها
لتحاسب عن عملك وسلوكك وتصرفاتك كما أنه يجب على كل إنسان أن يكن على علاقة قويه مع ربه بالذكر الدائم له وتسبيحه وأن يحترم الناس جميعا وألا يسخر منهم ابدآ فالنجاح من الله والتوفيق من الله والحب من الله والكره من الله والعدل من الله والسعادة من الله