لكُل شئ مرة أخيرة في حياتنا .. اللقاء الأخير، الحُضن الأخير ، جلسة العِتاب الثقيلة، والمواجهة الحتمية التّي مهما تهربت منها ستحدث. ربما لم أقل هذا من قبل ولكنني دائمًا أُفضل المواجهة والصراحة عن الهروب والصَمت .. لماذا نصمت وهذه هيّ المرة الأخيرة؟ من حق نفسك عليك أن تُنهي كُل شئ ولا تجعل لخيبتك ذيول تطاردك في حياتك القادمة، وأسئلة تعتصر رأسك في الليل وأنت وحدك.
لا أحترم ذلك الشخص الذي يظُن أن الهروب هو أفضل وسيلة للحفاظ علي المشاعر من الأهانة ؛ علي العكس .. عندما لا تواجه تُريد الرحيل وتختفي فجاءة هذا يجعله واقع في هاله كبيرة من الأسئلة والتفاصيل .. لماذا رحل؟ ولماذا حدث كُل هذا؟ هَل خذلته وتركته في وقت ما؟ هل كنت عبئًا عليه ولم يتحملني وهرب؟ .. تأنيب ضمير، وأسئلة كثيرة بدون أجابة تُريحه، أسئلة تترك في روحه شروخ وآثارًا لا يتخطاها بسهولة حتَّي لو مرت سنوات.
أخبرتني صديقة لِي أثناء حديثنا المُعتاد إنها حزينة، تعلم إنه حاول الحفاظ علي مشاعرها لكنه " دمّرها." حسب تعبيرها الذي لا أنساه ..
" كُنت عايزة أي حاجة حلوة أفتكرها له .. غير إنه سابني وهرب."
نعم، هذا هو تفكير معظم النساء عن الرجل الذي يفضل الهروب عن المواجهة والأعتراف .. تراه ضعيف، جبان، لا يستطيع قول الحقيقة .. حتي وإن كان البعض حسن النية يُريد الحفاظ علي ما تبقي بينهما من حُب وإحترام .. تنسي المرأة التفاصيل الصغيرة التي كانت تحدث : الأهتمام، والحُب وتتذكر فقط أنك تركتها وهربت دون أن تواجهها و أن تلتفت وتنظر إلي حالها.
" كنت عايزاه يواجهني، يقف في وشي ويقولي ليه وإزاي نساني علشان أنساه."
تقف حياتك، تذبل رُوحك علي فراق أحدهم، وتاخذ الكثير من الأيام، والليالي الثقيلة علي قلبّك ؛ لتنسي .. وهو ينسي بمجرد الرحيل ، ويتعرف علي أشخاصٍ جُدد، وأنتَ لا تجد من يملئ الفراغ مِثله، وتسقط في دائرة الوحدة، والخوف ..
هناك بعض التجارب التي لا تستطيع الاستمرار فيها وحقًا الرحيل يبقي أقل ضررًا من البقاء كما يقولون، لكن إذا كان قرار الحُب شئ مشترك ؛ فيجب أن يكون قرار الرحيل أيضًا مُشترك.
" أنا مش ندمانة علي حاجة عيشتها معاه، لكن هو بدل ما كان تجربة حلوة بقي دَرس قاسي."
في بعض الأحيان تنتهي التجربة وتبقي لنا بضعت دروس مستفادة تجعلنا لا نقع في نفس الخطأ مرة أُخري أو مثلما يقول الحديث : " لا يلدغ المؤمن من حجر مرتين." وتصبح عينه في منتصف رأسه، ويخاف من كُل شخص يقترب منه.
سألت صديقًا لِي عن : لماذا يتخد الرجل طريق الهروب كأفضل وسيلة لأنهاء كل شئ؟
وكانت وجهه نظره : أن الرجال في تلك الحالة ينقسمون إلي فريقين، فريق يري : إنه بتلك الطريقة يُخفف أثر الفراق وسيقول بعض الكلام الذي سيُطيب خاطرها كما ذكر، ويخبرها إنه كان سعيدًا معها لكن الطريق بينهما يذهب إلي منحدر مسدود ، وفريق يري إن المواجهة لن تُفيد بشئ ؛ فهو حاول كثيرًا لكن الضغوط و " الظروف." كما ذكر لا تخدم قصتهما .. ويري أنه بتلك الطريقة قد أصبح المُنقذ الذي عفاها من تلك المواجهة حفاظًا علي كرامتها ومشاعرها .. لكن صديقي أكد علي أن هذا هروب حتَّي لو حاولت تغير المُسمي .. وكُل رحيل بدون مواجهة في عُرف العلاقات هو هروب.
وذكر أن بعض الرجال وليس كلهم ليس لديهم حِس ذكائي ؛ فمن لديه الحِس الذكائي سوف يواجه ويختار طُرق لأنهاء العلاقة بطريقة أخلاقية ويكسب وِدها ويتفق إذا إحتاجوا لبعضهم البعض في يوم من الأيام لن يترددوا في المساعدة !
وتحدث أيضًا عن أن هناك بعض الرجال يعانون من قِلة النضوج الفِكري وعدم التفكير خارج الصندوق وعلي المدي البعيد ؛ فهو يظن أنه لا يؤذيها بتلك الطريقة لكن لو فكر قليلاً علي المدي البعيد سيجد إنه لا يُعالج شئ، بل " يُزيد الطين بَلة."
يجب أن تكون المواجهة بها كلام لطيفًا مراعيًا لمشاعره، فلا يمكن إلقاء اللوم والعتاب وتحميله هو كامل المسئولية في فشل العلاقة، ولا ينبغي أن تذكر له كُل المواقف السيئة التي قام بها أو البدء في ذكر طباعه السيئة والتي أدت إلى رغبتك في إنهاء هذه العلاقة، بل يجب أن تذكر له الأشياء الجيدة أيضًا وأن تذكر أنك دائمًا تكن له كامل الأحترام والتقدير، وأن الأنفصال لن يؤثر علي هذا الشعور.
هناك مثل مصري يقول " إقطع عرق وسيح دم." لا تتهرب من النهاية، ولا تتحمل شيئًا لا تُريد الأستمرار فيه .. واجه عليك أن تتحمل نتائج ما تفعل، ولا تترك الوقت يتولي مهمة النِسيان ؛ فلا أُريد أن أخاف أن نتقابل صُدفة يومًا ما، واجهني وأمِض مطمئنًا فالله سيتولي أمر قلبّي.