شهدت مصر أمس كارثة أثر تصادم قطاري الإسكندرية نتج عنها أعداد كبيرة من الوفيات و المصابين . فكان هذا اليوم مأساة عاشها الشعب المصري بكل طوائفه .فكل ما تناولته وسائل الإعلام من مشاهد مفجعة تتمثل في التصاق القطارين أثر التصادم ومنظر خروج الجثث وسيارات الإسعاف المحاطة بمكان الحادث يعكس صورة موجعة عن مصر.فهي كارثة مؤلمة أضيفت إلي ذاكرة الحوادث التى لا تنتهي وإراقة دماء جديدة في بحار دماء لا تتوقف. وعلي الرغم أننا شهدنا خلال السنوات القليلة الماضية حوادث قطارات كثيرة إلي أن أسلوب التعامل بعد كل حادثة لا يتغير فالمشهد يعيد نفسه دائما وكأننا في دائرة مغلقة لا نستطيع الخروج منها بعد.فهي خطوات محفوظة تتبع بعد كل كارثة ومنها خروج المسئولين لوسائل الإعلام متحدثين عن ترهل البينية الأساسية لهيئة السكة الحديد وغياب العامل الإلكتروني والاعتماد على العنصر البشري حتى الآن وتعطيل غرف العمليات المركزية وتشكيل لجنة لتحقيق وللوقوف على أسباب الحادث ومتابعة الحالات المصابة داخل المستشفيات وصرف التعويضات للمصابين وتناول الحدث في وسائل الإعلام المختلفة وعرض حلول وبدائل متنوعة من جانب المعنيين ووضع شريطة سودة وإعلان حالة الحداد لمدة ثلاث أيام مع ظهور متميز لأعضاء مجلس الشعب في عمل استجواب داخل لجنة النقل وبعد مرور أيام يصبح الجانى والمسئول الأول عن ارتكاب الحادثة هو أصغر حلقة داخل منظومة النقل ألا وهو السائق فقد تثبت التحقيقات أن السرعة كانت زائدة أو أن عامل المزلقان لم يغلق المزلقان وينتهي الأمر علي ذلك ويغلق ملف الحادثة إلي أن تتكرر حادثة جديدة .فالوزارة تدرك مكان الداء جيدا ولكنها ترفض العلاج بمعني أنها تعلم أن هيئة السكة الحديد تعانى من فقر شديد في الإمكانيات وأنها لابد أن تعتمد علي وسائل تكنولوجية متطورة لسرعة التعامل حال الشعور بخطر وأنه لابد من إلغاء العنصر البشري تماماً إلا أنها لا تأخذ أي إجراء للإصلاح والتطوير فكل ما قامت به هو رفع زيادة الأجرة بحجة توفير ميزانية لتطوير منظومة النقل مؤكدين أن هذه الزيادة ستصب في مصلحة المواطن ويبدو أن المسئول كان يقصد بمصلحة المواطن هو موته بهذه الطريقة البشعة . أما عن اللجان التى تتشكل بعد كل حادثة فما الذي توصلت إليه اللجان الماضية في الحوادث السابقة حتى تضيف اللجنة التى تشكلت أمس جديد .وبخصوص لجنة النقل فمهمتها محاسبة وزير النقل ورصد سلبيات المنظومة قبل وقوع ضحايا وليس بعدها . فالمسئول الأول في حادثة أمس والحوادث السابقة هو شخصية اعتبارية اسمها الفساد والتقصير ولا نستثنى منه أحد فكل من يتولي منصب أو مسئولية داخل هذه المنظومة مقصر ومسئول عن كل ما توصلنا له أمس .فقد تناولت شبكات التواصل الاجتماعي فيديو لسائقين يتناولون المخدرات داخل القطار ومر الفيديو كحدث عابر وهذا إن دل على شئ فهو يدل على غياب الرقابة والإفلات من العقاب والاستهانة بأرواح المواطنين .فمع تكرار هذا النوع من الحوادث اعتادت أعيننا على رؤية الدم والتعامل مع الضحايا على أنهم مجرد رقم في سجل الوفيات .فكل ما يدور حولنا يؤكد على انعدام الإنسانية فوسائل الإعلام تتصارع على التقاط حصرية لوزير النقل لحظة وصوله مكان الحدث ولا تشعر بحجم المصيبة فالمهم عمل انفردات تليفزيونية .سائقين سيارات الاسعاف المفترض أن مهمتهم إنقاذ أرواح الناس يلتقطون سليفي في مكان الحادث .وزير يتعامل مع الحادثة على أنها مجرد حدث في عهده وينسق مع وزارة التضامن لصرف تعويضات وكأنها ستعيد للمتوفي روحه أو سيسترد المصاب بها عافيته. في النهاية إذا كان ما حدث أمس هو مجرد حادثة بالنسبة للمسئولين فهو بالنسبة لأهالي الضحايا آلم سيظل يتذوقون مرارته طوال حياتهم .فهناك بيوت ساد بها الظلام وعما بها الحزن لفقدانهم أقرب الناس إليهم فمنهم من فقد عمود البيت المتمثل في الأب ومنهم من فقد الركن الأساسي ومصدر القوة المتمثل في الأم ومنهم من فقد السند المتمثل في الأخ .فهذه الحادثة ستظل محفورة في ذاكرة كل مواطن مصري وليست أهالي الضحايا فقط .فالصورة كادت أمس أن تنطق من شدة الألم والجوع .قطار الموت لم يعد في مدينة ألعاب الأطفال فقط بل أصبح موجوداً على أرض الواقع .