ضربت ( مريم ) مثلا في الإرادة والعزيمة حيث استطاعت أن تهزم بعبع الثانوية العامة وأن تحطم صخرة الخوف من خلال حصولها علي مركز الأولي علي الثانوية العامة .فبرغم أن والدها حارس عقار وشاء لها القدر أن تعيش في غرفة واحدة مع أسرتها إلا أن هذا لم يؤثر على عزيمتها بل جعلته حافز للوصول فاجتهدت وذاكرت دون كلل أو ملل وحطمت كل القيود وتخطت كل الحواجز حتى أصبحت اﻵن حديث وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي بحصولها على مجموع 99% ففي وسط حالات الانتحار والشكاوي التى لا تنتهي من امتحانات الثانوية العامة سنوياً والبرامج التى تتحدث يومياً على أن نظام ا لثانوية العامة نظام عقيم يعتمد على الحشو والحفظ لا للفهم والإدراك إلا أن هذه الفتاة تمكنت من أن تظهر لنا جانب مشرق . فهي لم تعتمد على الدروس الخصوصية ولا الذهاب لسناتر الكبري ولا شراء كتب وملازم خارجية ولا تحججت بشماعة الفقر وضيق العيشة ولا استسلمت لضجيج العائلة نظراً لضيق المكان التى تعيش فيه. فالفتاة وضعت هدف أمام أعينها واطاحت بكل هذه الظروف ورفضت أن تتنازل عن أحلامها .فحلم الالتحاق بكلية الطب كاد يراودها منذ طفولتها فصابرت وسعت إليه بكل ما أوتيت من قوة وعزيمة حتى تحقق هذا العام . ويبقي السؤال هل ستتغير نظرة المجتمع لها بمعنى هل المجتمع سيطلق عليها لقب الدكتورة أم بنت حارس العقار .هل ستتشرف أي عائلة مصرية أن تتقدم لحارس العقار لطلب الزواج من ابنته المجتهدة والتى تتمتع بحسن التربية التى يرجع الفضل فيها إلي أبيها أم ستظل العادات والتقاليد تقيد عقولنا وتسلسل أفكارنا . فنحن أمهر الناس في رفع الشعارات والحديث عن المساواة و العدل من خلال الندوات التثقيف والجمعيات الحقوقية وما يتم فيها من تكريمات لمثل هذه النماذج إلي جانب الكلام المنمق وإظهار صورة مشرقة ولكن في حقيقة الأمر نحن لا نطبق هذا الكلام علي أرض الواقع ولا في حياتنا اليومية فأصبحنا في القرن الواحد والعشرين ومازال المجتمع ينظر لحارس العقار نظرة غير لائقة فقد يري البعض أن ابنته لا تستحق أن تلتحق بكلية الطب حتى لا تتساوي بإبنة الدكتور أو المهندس فالمجتمع مسمم بأفكار الناس قالت والناس بتقول .ففكرة الزواج من ابنة حارس العقار قد تكون غلطة لا تغتفر من وجهة نظر المجتمع والناس. وعلى جانب آخر فالبرامج التليفونية تناولت الموضوع على أنه مجرد خبر عابر لا يتعدي مدته دقائق في حين أن هناك تقارير وتحقيقات تخصص لشكاوي الطلاب عن صعوبة الامتحانات والتظلمات وحالات الانتحار فالاعلام دائما يبحث عن الجانب السيئ لأي مجال ويغفل عن الإيجابيات اعتقاداً منه أنه يناقش قضايا المجتمع ويعرض سلبياتها ليقوم بمعالجتها .رغم أنه من أهم مبادئ الإعلام هو الحيادية والمصداقية. فكل مجال به الصالح والطالح وعلينا أن نعرض الاثنين سوياً بنفس المقدار .فالاعلام له دور كبير في صنع هوس الرعب من الثانوية العامة من خلال تركيزه على سلبياتها فقط في حين أنه من المفترض أنه الجهة المنوطة لتشكيل وعي الناس من خلال ترسخ فكرة أن الثانوية العامة ما هي إلا مرحلة دراسية نمر بها وليست نهاية الحياة . فاﻷعمال الدرامية أيضا تعانى من نقس المشكلة وهو التركيز على الجانب المظلم فقط فقد تجسد ممثلة حياة الطالبة مريم ولكن الخط الدرامي يظهرها ضحية لظروفها الصعبة وتختلف دور الضحية من عمل لآخر فقد تترك دراستها وتتزوج بشخص غنى ينتشلها من الفقر في عمل درامى وفي عمل آخر قد تبحث عن وسيلة سهلة لكسب المال اعتماداً على جمالها فقط بحجة أنها المسئولة عن أسرتها .في حين أن هناك قدوة حسنة ومثل يحتذي به على أرض الواقع لم تسلك هذه الطرق الملتوية واستطاعت أن تسير في الطريق الصحيح. فالأعمال الدرامية تحتاج إلي هذه النماذج حتى تكون أسوة حسنة لبنات جيلها. فنحن افتقادنا الإحساس بكل شيء إيجابي بسبب كثرة تركيزنا على الجانب السلبي .فأصبحنا نستغرب إذا رأينا نموذج مشرق مثل مريم وغيرها لأننا اعتادنا على الجانب المظلم فقط لا غير. فلا بد أن يتغير وعي الناس اتجاه هؤلاء النماذج و تغيير اللون الذي تتبناه البرامج والأعمال الدرامية حتى نستعيد القيم التى فقدنها في زحمة الحياة فليس هناك مجال أو وظيفة أو حتى انسان ملائكى طيلة حياته وإنسان آخر شيطانى إنما هو خليط بين هذا وذاك فكل جانب مظلم من أي مجال يقابله جانب مشرق . فالخلاف على العين التى تبحث لتري السئ لكى يتعبها وتتغاضي عن الجميل لأنها لا ترغب فيه أو بالأحري لم تعد تعتاد عليه