سوء شعور ينتاب الإنسان أن يشعر بالإغتراب وهو في وطنه وعلى ترابه ويتنفس هواءه ويشرب ماءه، إنها حالة كنت أسمع عنها وقرأت عنها الكثير لكنني لم أكن أتخيل أنني سأصل إلى هذه الحالة من الشعور بالإغتراب وأنا في وطني، دعوني أجزم أن هناك أناس ينظرون لمن لا يزال يمتلك صفة من تلك الصفات الحسنة بأنه على "نياته" أو "عايش في عالم ثاني"، ومثالي وغيرها من المصطلحات التي تطلق على أصحاب القيم والصفات الإيجابية، فالشخص المتمسك بتلك القيم والصفات أصبح شبه منبوذ من أغلب فئات المجتمع، وأصبحت دائرة علاقاته الشخصية تضيق يوم بعد يوم ولكن هو ما يزال ثابت على موقفه ومتمسك بقيمه، فمعادلة التفوق والكفاءة هي هبة موجودة لدينا وفطرة وجدت لدى الكثير من المواطنين، لكن في الجانب الآخر يوازيها دلالة الإنحياز وحسابات الواسطة التي قضت على آمال الكثير من شبابنا، والتي أخرجتهم من حالة الأمل إلى خيار التغيير والبحث عن دافع جديد من الإصلاح، كون الشباب هم وقوداً لحركات التغيير في كل المجتمعات، لما يتمتعون به من حماسة القلب، وذكاء العقل، وحب المغامرة والتجديد، وعدم الرضا بالقديم والتطلع دائماً إلى كل جديد، هذه الحالة دفعت الكثير من أبناء هذا الوطن للتفكير في الهجرة والخروج من البلد، في حالة من الهروب من الواقع المؤلم الذي يعيشونه من عدم احترام إنسانيتهم وتسفيه أفكارهم ومحاربتهم في كل المستويات العملية والعلمية والفكرية، كل ذلك وما يصاحبه من أعمال عنف وقتل وسلب ونهب وظلم وعدم الأمن والأمان، بعد أن كانت مصر منذ قرون قديمة بلد الأمن والأمان، وقدمت نفسها لعدة سنوات نموذجاً للوطن والسلام وكنا نحن المصريون في كل أنحاء الأرض مضرب مثل لنعمة الأمن والأمان في المنطقة، واضح إذن أن الإصلاح ليس جملة من الشعارات تطلق، أو إرادة فرد أو مجموعة من الأفراد تفرض على المجتمع، بل عملية متعددة المسارات تقوم في المقام الأول على تحقيق شروط موضوعية على أرض الواقع وفي مقدمتها بناء ثقافة سياسية تسمح بتعاون القوى الاجتماعية في عملية بناء المؤسسات التعليمية والقانونية والإدارية والاقتصادية والسياسية التي تشكل دعائم القوة والنهضة لأي مجتمع، وبالتالي فإن خيار الإصلاح هو رغبة وإرادة شعبية، وهو ضروري لمستقبل المجتمع المصري وهو الطريق الوحيد لتفادي تردي الأوضاع الإقتصادية والسياسية والمعيشية وزعزعة الاستقرار، ويفسح المجال لوقف تحرك الطامعين والطامحين بهذا البلد، وبالتالي فهو مرهون بتكوين إرادة شعبية للإصلاح، نابعة من احتياجات أفراد المجتمع من جهة ومن تزايد الوعي الشعبي وليس من طموحات فردية أو حزبية ضيقة من جهة أخرى.
إذاً فأين نحن من الإصلاح؟ للأسف، كثيراً ما نجد أشخاص لا يكون اختيارهم وتعيينهم على أسس الكفاءة العلمية أو التربوية بل تكون على أساس الصلة أو المعرفة الشخصية، وهذا هضم وإجحاف كبير لحقوق العناصر المتميزة ذات الكفاءة الأحق وينعكس مدلول ذلك السلبي على المجتمع والوطن بأفدح الخسائر، ومن هذا المنطلق آن الأوان بالمبادرات الوطنية من أجل الوطن، لذا علينا أن نوحد الصفوف وأن نتعاون لأننا جميعاً نهدف إلى تحقيق المصلحة العامة والى رقي الوطن وتقدمه، وعلينا أن ننهض بمصر وأن نجعلها في مصف الدول المتقدمة، فالمتتبع مثلاً لواقع معظم الجامعات والمؤسسات يجد أنه واقع مصغر حقيقي بحاجة الى إصلاح في جانبه الأكاديمي والإداري.
ومن هذا المنطلق يجب علينا المساهمة في بناء هذا الوطن الذي من أبسط حقوقه علينا المحافظة عليه والمشاركة في بناءه وعدم ترك الوطن للناهبين والفاسدين وغيرها من الفئات التي ظهرت علينا في الآونة الأخيرة وسلبت ونهبت أحلام أبناء هذا الوطن المغلوب على أمره، وأخيراً فالسؤال الذي يفرض نفسه هنا بقوة، هل هي سياسة تطفيش وتهجير لأبنائه ممن تحملت الدولة أعباء وتكلفة إعدادهم وتأهيلهم ليسهموا في بناء هذا الوطن، وبالمقابل كيف نسنطيع أن نكسر هذه الدائرة المهلكة ونبطل سياسات التطفيش، مع العلم أن النتيجة هي أن بلادنا تخسر أفضل أبنائها مما يؤثر سلباً على مستقبل وطننا الكبير.